11‏/02‏/2013

"عيد الحب الفلنتاين "



خطبة جمعة 
عيد الحب 

للشيخ الدكتور أنس العمايرة

ألقيت في مسجد المنصور في حي الشميساني من العاصمة عمان مقابل السفارة المغربية بتاريخ (14/9/2007م)

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[ [سورة آل عمران:102].
]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً[ [سورة النساء:1].
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً[ [سورة الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، ثم أما بعد :

يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( لتركبن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، وباعا بباع ، حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب دخلتم ، وحتى لو أن أحدهم ضاجع أمه بالطريق لفعلتم ) أيها الأخوة الكرام عاش بعض أبناء الأمة المحمدية بعضُ شباب هذه الصحوة  حماةُ الدين وحراسُ الملة عاشوا في الأسبوع  المنصرم يوما من أهم الأيام عندهم أتدرون ما هو ؟يوما يسمونه "عيد الفلنتاين" وما أدراك ما عيد الفلنتاين . إن المتأمل في أحوال شبابِنا المعاصر بل في أحوال المسلمين يجدهمُ يعيشون اليوم في حالة مرضية عجيبة لم تكن في أسلافهم ، إن بعض المسلمين لم يزل في غيبوبة  تامة والبعضَ الآخر لم يستفقْ الاستفاقة الكاملة فما زال يترنحُ من هول الصدمات ويكبوا من كثرة العثرات ويعيشُ بين الفجر الكاذب والصادق ؛ ولكي تصحوَا هذه الفئةُ الصحوةَ التامة وتسيرَ على المنهج الرباني المستقيم لا بد لها بعد تقوى الله من الاتباعِ المنهجي لا الابتداع ، والتمسك ِ بدينها وعدمِ الالتفات إلى ما هو مستورد من الأفكار والمبادئ والمنكرات والمحرمات التي يروج لها العلمانيون وأعداءُ هذا الدين ليغووا أبناء وبنات هذه الأمةِ المحمدية ويُغرقوهم في محيطات الضلالة وبحارِ الفجور وأنهارِ العار والخزي .  على هذه الأمةِ التثبتُ والتبينُ قبل المسير وإعمالُ العقل والبصيرة قبل العاطفة والحماس ، والتأني والتفكرُ قبل التسرع ؛ حتى لا يتكررَ السقوط ولا تندم ولات حين مندم .
ما زلتُ أيها الأحبة الكرام لا أدري سببَ تأثر بعض المسلمين بعادات الغرب ومنهجهم في الحياة رغم أننا نحن أمة ُ الإسلام عندنا أعظمُ منهج وأنبلُ قيم وأرقى أخلاقٍ وأكرمُ معلم وأشملُ دستور ٍ نستطيع من خلاله أن نُسَيَّرَ حياتَنا بل حياة َالعالم كلِه . ولكن صدق القائل عندما قال :
قد تُنكر العينُ ضوءَ الشمس من رمد//وقد ينكر الفمُ طعمَ الماء من سقم
لا شك أن ريح المسك ينكره // من تعود شمَ الثومِ والبصل
لقد تمت سفقةٌ تجارية بيننا نحن المسلمون وبين أوروبا وكان لهم نصيبُ الأسد في هذه المقايضة حيث استوردوا من عندنا الأخلاقَ الإسلامية الحميدة وحسنَ التعامل والرأفةَ والرحمةَ ، بينما استوردنا نحن من عندِهم عاداتِهم وتقاليدَهم وفلسفتَهم في الحياة بحجة التطور ومواكبة العصر تاركين وراء ظهورنا العاداتِ الاسلامية الكريمة وصدق صلى الله عليه وسلم عندما قال : (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن) رواه البخاري وفي رواية أخرى لابن عباس قال صلى الله عليه وسلم : ( لتركبن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر و ذراعا بذراع حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتم و حتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه ) والحديث صحيح (صحيح الجامع الصغير) وفي رواية أخرى (حتى لو أن أحدهم ضاجع أمه بالطريق لفعلتم ) صدق رسول لله صلى الله عليه وسلم (الصحيحة )
من هذه العاداتِ التي تم استورادُها (عيد الفلنتاين ) الذي صادف يومَ الثلاثاء الماضي ، ما هو عيد الفلنتاين ومن أين أتانا ، إن هذا العيد وغيرَه من الأعياد مستوردة لا تمد للإسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد ، وبكل صراحة  استطاع الغرب أن يدخلونا بسربهم الضال المتجةِ الى ظلمات بعضها فوق بعض . عيد الفلنتاين هو عيد العشاق هو عيد الحب ولكن حب مَن هل هو حب الله حب نبيه حب المؤمنين حب الصالحين ؟ إنه حبُ الخلاعةِ والمجونِ والفجورِ ،  إنه حب الأشقياء إنه حب اللاهين عن ذكر الله ومنهج الله إنه حب المخدوعين بالحضارة الغربية المعاصرة، إنه حب المشوشين في الفكر والسلوك إنه حب الغافلين عن حقيقة هذا الدين وتعاليمِه العظيمة .
يومُ الفلنتاين يجتمع فيه أبناء المسلمين ببنات المسلمين بعرض المسلمين بشرف المسلمين يتبادلون كلماتِ الحب والغرام والعشق والفجور والفسق بحجة (الحب البريء) يتبادلون بينهم الورودَ الحمراء التي بلغ ثمن الوردة الواحدة خمسةُ دنانير وعشرةُ دنانير في المناطق الشعبية أما في غيرها من المناطق فضمة الورد بل الوردة بخمسين دينارا ، فقد استغل التجار هذا اليوم استغلالا لا مثيل له  . في عيد الفلنتاين يلبس (الحبيبة ) ثيابا حمراء سألت أحدَهم ما السرُ في ذلك اللون أجاب قائلا : هو تعبير عن اندماج القلبين وتعبير عن تضحية الحبيب لمحبوبته وتضحية المحبوبة لمحبوبها . ولا حولة ولا قوة إلا بالله . 

أبناء من هؤلاء أليسوا أبناءنا؟أليسوا أبناء المسلمين/ وأعراض من هؤلاء الفتيات اللواتي يخرجن مع الشباب ويتسكعن في الشوارع ؟ كم من فتاة يظن أبوها أنها في المدرسة وهي مع صديقها في المتنزهات والحدائق والمطاعم والكفي شبات .هل تابعنا أبناءنا وبناتنا هل تفقدنا أحوالهم هل تتبعنا حركاتهم وسكناتهم؟ 
ما هي أسباب هذه الظاهرة ظاهرة الفلنتاين وغيرها من ظواهر السوء التي تشبث بها أبناؤنا :
إذا عرفنا الداء وكان السعيُ صادقا لتناول الدواء ؛ شُفينا بإذن الله تعالى من أمراضنا ... وعندئذ ينصرنا الله ويمكننا ؛ فإن نصرهَ سبحانه مشروطٌ بالصحة والعافية ( إن تنصروا الله ينصركم ) . 

السبب الأول : ضعفُ التربية الإسلامية لدى النشء 

وهذا يقع على عاتق أولياء الأمور ؛ إذ أن على الآباء  والأمهات مسؤولية َربطِ أبنائهم منذ الصغر بأصول الإيمان وتعويدِهم منذ تفَهمِهم أركانِ الاسلام وتعليمِهم من حين تمييزهم مبادئ ِ الشريعةِ الغراء ؛ حتى ينتشئوا على الإسلام عقيدة ً وعبادة ، ويتصلوا به منهجا ونظاما فلا يعرفون سوى الإسلامِ دينا والقرآنِ دستورا والنبي ِصلى الله عليه وسلم إماما وقائدا وقدوة ، وبالتالي ينشأ الولدُ على أوامر الله فيُرَوضُ على امتثالِها وعلى اجتناب نواهيه ، وحين يتفهمُ الولدُ منذ ُ نعومة أظفارِه أحكامَ الحلال ِ والحرام ويرتبطُ منذ صغرِه بأحكام الشريعة فبالتالي لا يعرفُ إلا الإسلام ومبادئَه وعادتِه. فما أجدرَ  الآباء والأمهات أن يربوا أبناءهم على هذه الأسس ويسلكوا معهم هذه الوسائلَ ليضمنوا سلامةَ عقيدتِهم من الزيغ والانحراف .
وينشأ ناشئ الفتيان فينا  //   على ما كان عوده أبوه
قد ينفع الأدبُ الأولادَ في صغر// وليس ينفعهم من بعده أدبُ
إن الغصونَ إذا عَدَّلتَها أعتدلت // ولا تلين ولو ليّنتَه الخشبُ 
قال صلى الله عليه وسلم: ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانُه أو ينصرانه أو يمجسانه ) رواه مسلم . ولكن إذا كان الخللُ عندنا نحن الكبار نحن الآباءُ نحن المربون فهذه والله هي الكارثة الكبر والمعضلة العظمى ( متى يستقيم الظل والعود أعوج )
وليس النبتُ ينبت في جنان   كمِثْل النبتِ ينبتُ في الفلاةِ
وهل يرجى لأطفالٍ كمالٍ   إذا ارتضعوا ثديَ الناقصات ِ

السبب الثاني : ضعفُ الوازع الديني لدى الأبناء والشباب 

 وهذا أمر بدهي ولازم عند فقدان التربية الإيمانية منذ الصغر فإذا تُرك الولدُ من غير توجيهٍ وتربية ومراقبة حثيثة في البيت فلس إلا تربيةُ الشارع ولا شك أنه في هذه الحالة سيرضعُ لبنَ الفسادِ ويتربى على أسوأِ الأخلاق ويتلقى مبادئَ الكَفرةِ والفُسّاق وسرعانَ ما سيتحولُ الوازعُ الديني إلى بيتٍ خرب وعند إذ يتسعُ الخرقُ على الراقع ويَصعبُ ردِه إلى جادة الصواب والى سبيلِ الإيمان والهدى . إذا علِمت هذا فلا تستهجن من بعض الآباء وهم يشكون إليك أبناءهم . 

السبب الثالث : وسائلُ الإعلام 

وخاصةً التلفاز ذلك اللص الذي اقتحم كل البيوت ؛ فهو المسؤولُ الأولُ عن نقل أخلاق وعادات ومشاكل البيئات المنحرفة الشاذة إلى  بيئات المشاهد النظيفة الطاهرة ، ويزيد الطينَ بِلة والأمرَ علة أننا نعيش عصرَ الجنون الإعلامي بوسائله وتعاري الجنس والشهوة وأفلام العشق والحب والغرام . فبعد الانفتاح الإعلامي ودخول الستلايت أصبحت كلمات الحب والغرام والعشق بل ومُشَاهدة صوره الحية تغزونا من كل جهة ، ناهيك عن العادات الاجتماعية الخاطئة التي ينادون بها : كإباحة الاختلاط و الزيارات العائلية المختلطة أو الأفكار الهدامة التي بغيتها خرق العقيدة الإسلامية فتفتحت الأبصار وتفتقت الأذهان عن طريق هذه الوسائل الهدامة . والإنسان بفطرته مُولَعٌ بتقليد غيره خاصة إذا ظهر غيرُه  بصورة محببة وجذابة للنفس البشرية .
فكل منصف يقول : إن التلفاز ملئ بالمحذورات الشرعية والمواضيع المسممة لعقول الشباب والشابات ؛ فأفسد عليهم دينهم ولا حول ولا قوة إلا بالله .

السبب الرابع  انتشار الخلويات في أوساط الشباب والشابات 

 أتساءل دائما سؤالا لا أجد له جوابا لماذا يحمل طلبتا في المراحل الثانوية والأساسية الخلويات وما هي حاجتهم إلى ذلك ومن الذي يسمح لهم بذلك ومن الذي يشتري لهم هذه الأجهزة التي يصل ثمنُ بعضِها 250دينار .
لقد تم ضبطُ  كثيرٍ من الطلبة بل قل عددٍ هائلٍ من الطلبة في المرحلة الثانوية والإعدادية لهم علاقاتُ حب وغرام مع طالبات في نقس العمر  وذلك بعد مصادرةِ التلفونات الخلوية التي يمتلكونها ويستعملونها داخلَ أسوارِ المدارسِ ، ولقد ضُبطتْ مكالماتُ حب وعشق وغراكم  مسجلة ً للذكرى على
نفس الأجهزة بل وصورُ العشيقةِ أيضا في بعض الحالات.إن هناك احصائيات للسلوكات اللاأخلاقية وللعلاقات الغير شرعية والمحرمة في بعض مدارس البنات ليشيب منها الرضيع وليبكي منها الصادق الغيور    هذا على نطاق مدارسنا أما إذا عرجنا إلى جامعاتنا فعجب عجاب لو ترى عيناك . فهذه مسؤلية من ؟  أين الآباء والأمهات أين واجبنا تجاه ابنائنا أين التوجيه أين المراقبة أين المحاسبة .

السبب الخامس:الرفقةُ السيئة  

 فالإنسان مولع بمحاكاة من حولَه شديد التأثر بمن يصاحبه ، وقد قيل الصاحب ساحب،وقل لي من تصاحب أقول لك من أنت
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهــم // ولا تصحب الأردى فتردى مع الــردي
 عن المرء لا تسأل وسل عن قرينـه // فكل قرين بالمُقَارِن ِ يقتـــــــــــــدي





فالصحبة السيئة تحسن القبيح وتقبح الحسن ، وتجر المرء إلى الرذيلة وتبعده عن كل خير وفضيلة 
ولا تصحب أخا السـوء وإياك وإياه  // فكم من جاهل أردى حكيما حين آخــــاه
 


فلا خير في صحبة الأشرار ولا نفع يرجى من ورائهم؛إذ كيف ينفعوا غيرهم وهم لم ينفعوا أنفسهم؟!. 
قد هيؤوك لأمر لو فطنتَ لــه //فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل




أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه  
 ( الخطبة الثانية ) 

 اعلموا أيها المسلمون أن للأمة الإسلامية كيانَها المستقل وشخصيتَها المميزة وثوابتَها النبيلة وتاريخها العميق وتراثها الإسلامي الأصيل التي يجب علينا أن لا نتخلى عنه مهما لاقينا من ضغوطات ومهما تعرضنا للشهوات ومهما رأينا من مغريات . إنه لا يمكن لنا البقاء برفعة ومهابة وكرامة بين الأمم إلا إذا بقينا متمسكين بمبادئنا الإسلامية العظيمة مطبقين لسنة النبي صلى الله عليه وسلم مذعنين لأوامر رب العالمين .
أيها المسلمون قيمتنا تكمن في ديننا . كيف كان المسلمون قبل الإسلام ؟ كانوا أعرابا مشردين وقبائلَ مفرقة متناحرة فيما بينها لا قيمةَ لها ولا اعتبارَ لها بين الأمم الأخرى  ولكن لما جاء محمد صلى الله عليه وسلمبالإسلام  هدى الله على يديه قلوبا غلفا وعيونا عميا وآذانا صما فتحول هؤلاء الأعراب والموالي والرقيق من أناس فقراءَ مستضعفين إلى كتائب تزلزل الدنيا بلا اله إلا الله
واصبح عابد الأصنام قِدْما //حماةَ البيت والركن ِ اليماني
يدخل رِبْعِيّ بن عامر على رستم زعم ِ الفرس يسير على فرسه بثوبه الخَلِق يتوكأ على رمحه يزج النمارق والبسط فما ترك لهم بساطا إلا أفسده وتركه مخرقا فلما دنا من رستم  جلس على الأرض وركز رمحه بالبسط فقالوا ما حملك على هذا قال ( إنا لا نستحب القعود على زينتكم هذه ) فقال له رستم : ما جاء بكم ؟ قال : (الله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن   جور الأديان  إلى عدل الإسلام ...) تاريخ الطبري 2/401إن الأمة الاسلامية لا تقوم لها قائمة ولن يقومَ لها قائمة إلا إذا رجعوا   إلى دينهم وألتزموا بسنة نبيهم محمد e  وما ضل الضالون وما انحرف المنحرفون وما كفر الكافرون وما أشرك المشركون إلا بعد ابتعادهم عن أوامر بارئهم و توجيه أنبيائهم لذا قال صلى الله عليه وسلم : ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله ) رواه مالك  في الموطأ وهو حسن . على هذا عاش سلفنا الصالح ، فأعزهم الله ، وفتح لهم البلاد وقلوب العباد ، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها . نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم ...........


08‏/02‏/2013

شروط الجمع بسبب المطر



موضوعنا لهذه اليوم المبارك سيدور حول جمع الصلاة بسبب المطر. هذه المسألة يقع الخلاف حولها في كل شتاء ، وترتفع الأصوات ، وتحصل المشاحنات ، ويفترق المصلون في المسجد الواحد فريقين منهم من يطلب الجمع ويسعى له بشدة وحدة ويحاول جادا أن يجبر الإمام عليه، ومنهم من يرفضه جملة وتفصيلا ويحاول أن يفهم الإمام أن الجمع محرم .
وفي الحقيقة هذه المسألة هي مسألة خلافية قديمة فإمام الأئمة وفقيه الفقهاء وصاحب أول مذهب فقهي صاحب الفطنة والذكاء والعقل والدهاء ، محاور الفلاسفة ، الإمام أبو حنيفة النعمان يمنع الجمع بسبب المطر في جميع الأحوال ويرى أن من جمع بسبب المطر فقد ارتكب محرما وإثما لأنه أخرج الصلاة عن وقتها الشرعي الذي حدده النبي e . هذا رأي أبي حنيفة ومذهبه وكما قيل (الناس عيال على أبي حنيفة) يجيز أبو حنيفة النعمان الجمع الصوري وهو : تأخير الصلاة الأولى لآخر وقتها وتعجيل الثانية لأول وقتها هذا أقصى ما يراه رحمه الله. وهو نفسه رحمه الله الوحيد الذي يرى جواز إخراج زكاة الفطر مالا !!!! . وبعض الناس في المسألة الأولى يرمون رأيه عرض الحائض وفي المسألة الثانية يأخذون برأيه مع أنه مخالف لجمهور الفقهاء في ذلك . 

هذا فريق ، وفريق آخر: أجاز الجمع بين صلاة المغرب والعشاء دون الظهر والعصر. وهذا هو مذهب الحنابلة الذي عليه عامة علماء البلد الحرام في الوقت الحاضر ، حيث يقولون الجمع بين الظهر والعصر حرام، ولا تقبل صلاة العصر، وإنما الجمع بين المغرب والعشاء فقط؛ لأن في وقتهما تحصل المشقة في ظلمة الليل ولا يرون ذلك في الظهر و العصر .
وهناك فريق ثالث : يجيز الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، إذا وجد السبب الشرعي. وهذا القول أصح  الأقوال وأرجحها عندي والله أعلم ؛ لأنه ثبت في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس t أنه قال: (جمع النبي e بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر) .
وهناك فريق رابع لا يجيزون جمع العصر مع صلاة الجمعة ، بل يحرمون ذلك تحريما قطعيا ؛ لأن الجمعة ليست من جنس العصر ، ولم ينقل عن النبي e أن جمع العصر مع الجمعة . وقد تحدى العلامة ابن عثيمين  أن يأتي أحدٌ بحديث صحيح أو ضعيف أن الرسول e جمع بين العصر والجمعة .
ومن أباح الجمع بسبب المطر اشترط له شرطا مهما ألآ وهو(المشقة) المشقة التي يسببها المطر ، أما من غير مشقة ولو بنزول المطر فيُمنع الجمع بل يحرم لأن في هذه الحالة تصلى الصلاة في غير وقتها من غير سبب وهذا حرام وهو من كبائر الذنوب - كما نقل ابن تيمية عن عمر t - وفيه تجرؤ على حدود الله . وقد عد العلامة ابن اعثيمين إقامة الصلاة قبل وقتها أعظم من الزنا وشرب الخمر يقول رحمه الله : (أما مجرد نقطة مطر أو بلل في الأرض والسماء واقفة فهذا لا يجوز، هذا تلاعب بدين الله، أن يقدم الصلاة عن وقتها بدون عذر شرعي مثل من فعل أكبر كبيرة، مع أننا لو شاهدنا أحداً يزني أو يشرب الخمر أنكرنا عليه، الصلاة قبل وقتها بدون عذر شرعي أكبر من هذه .. لماذا؟ لأن إضاعة الصلاة ركن من أركان الإسلام، ليست هينة، المسألة ليست لعباً، وفقه الشرع ليس إلى المبتدئين في العلم، بل إلى العلماء الذين رسخوا في العلم، وعلموا موارد الشريعة ومقاصدها) انتهى كلامه .
 والمشقة حددها العلماء بأن يحصل مع المطر ما يمنع المصلي الوصول للمسجد أو يشق عليه الوصول شقا عظيما ذلك :
(كالمطر الشديد) الذي يبلل الثياب ويغرقها فيسبب معه مشقة فلا يصل إلا وقد اخترق الماء ثيابه ووصل إلى  جسده فبرده أو إذا  عصر ثيابه انعصرت ، أو كان المطر غزيرا نتج عنه وقف السير وإغلاق المتاجر وتعطيل المصالح .
فإذن : اشترط المجيزون للجمع أن يكون المطر مبللا للثياب وموجدا للمشقة ، يقول ابن اعثيمين رحمه الله :(وعند الشك هل هذا عذر يبيح الجمع أم لا؟ لا يجوز أن نجمع مع الشك, فالمطر -مثلاً- إذا كان ينزل ونرى أنه يبل الثياب, ومعنى يبل الثياب: أن الثوب يحتاج إلى عصر من هذا المطر, ليس مجرد أن تقع القطرة من الماء ثم يبتل الثوب, هذا ليس عذراً)
وقال رحمه الله في فتوى أخرى : (وقد قال العلماء رحمهم الله: لا يجوز الجمع للمطر، إلا لمطر يبل الثياب / وبَللها معناه: أنه لو عُصرت الثياب لخرج منها المطر، ليس مجرد النقطة والنقطتين، إلا لمطر يبل الثياب، وتوجد معه مشقة احترازاً مما لو جاء المطر في أيام الصيف، أيام الصيف يفرح الواحد إذا جاء ثوبَه ماءٌ يبرده، ما في مشقة، لكنهم قالوا: لا بد من مطر يبل الثياب، وتوجد معه مشقة) انتهى كلامه
وإما أن تحدث المشقة بالطريق بسبب المطر وهو ما يسميها الفقهاء(مشقة الطريق)  كأن يصبح هناك :
أ. برك ومستنقعات من الماء تحول دون وصول المصلين للمسجد.
ب. أو أن يسبب المطر (طينا شديدة ووحلا شديد وزَّلَقا) في الطريق يشق على المصلين السير فيها خوفا من الانزلاقات والتأذي الشديد.
ج. أو أن يسبب المطر سيولا في الأرض تجرف التربة والحجارة وتهدد البيوت وتعيق المارة و تشق عليهم الوصول للمسجد.



سؤل العلامة ابن عثيمين : ما هو ضابط المطر الذي يبيح جمع الصلاتين ؟
فأجاب : ما تحصل به المشقة ؛ إما لغزارته ما يسمى عندنا) الوبل) ، أو لحصول مستنقعات توجب المشقة في بلوغ المسجد ، أو يصحب بريح باردة . فمداره على المشقة . أما أن يكون خفيفاً ، ويجمعون لتوقع زيادته ، فلا . ومن جمع من غير مسوغ شرعي وجبت عليه إعادة الصلاة المجموعة ) انتهى كلامه.
فإذن: رخصة الجمع تدور مع المشقة وجودها وعدمها ، وأما بدون مشقة أو بمظنة المشقة فإنه لا يجوز الجمع .
لذا أدرج شيخ الإسلام ابن تيمية (الريح الشديدة الباردة القارصة في الليلة الظلماء) أدرجها ضمن المشقة المعتبرة؛إذ إن المشقة في الوصول إلى المسجد في مثل هذه الحال أعظم من المشقة في الوصول إلى المسجد بالمطر. [طيعا أيامه لم يكن هناك كهربتء في الطرقات].
و المشقة تدور مع جميع الأحكام ، فقد قرر الأصوليون (أن المشقة تجلب التيسير) لذا يجوز الجمع للمريض الذي يشق عليه أن يصلي كل صلاةٍ في وقتها، سواء كان ذلك لضعفٍ في البدن، أو لعدم استمساك البول أو الغائط أو الريح؛ لأن النبي e أجاز للمستحاضة أن تجمع؛ لأنها يشق عليها أن تتوضأ لكل صلاة، فكل من حَـدَثـُه دائم فإنه يجوز له أن يجمع لمشقة الوضوء عليه لكل صلاة.
وينبغي أن تكون المشقة على معظم مصلي الحي لا على أفراد قلائل من الحي ، فلا عبرة بالرجل والرجلين والثلاث والأربع من جماعة المسجد، يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله : (لو كانت المشقة تكون لرجل أو رجلين أو ما أشبه ذلك دون بقية الجماعة فلا عبرة بهؤلاء، العبرة بالأكثر، وهؤلاء الأقل إذا كان يشق عليهم أن يحضروا إلى المسجد في الصلاة الثانية [بسبب كبر سنهم أو ضعف بدنهم فهم يتأذون من البرد المعهود] فلهم الرخصة أن يصلوا في بيوتهم، كما جاء في الحديث: (الصلاة في الرحال)).
ويقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله : (ومن الناس من تجده يجمع بدون مشقة، حتى لو نزلت نقط يسيرة من المطر جمع، وبعضهم إذا رأى السماء ملبدة بالغيوم جمع، وهذا أيضاً محرم ولا يحل، ومن جمع لغير عذرٍ فقد أتى كبيرة من كبائر الذنوب، وسيتقلد آثام هؤلاء الذين صلوا قبل الوقت؛ لأن جمع الثانية للأولى معناه صلاتها قبل وقتها، وهذا حرام، إنما لابد من مشقة، إما من مطرٍ نازل يبل الثياب بحيث تتشرب الثياب المطر حتى تنعصر إذا عصرت، وإما بمشقة الطريق، وأما بدون مشقة فإنه لا يجوز؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً [النساء:103] وقد بين النبي e أوقات هذه الصلوات، فلا يحل أن نتعدى حدود الله فنجمع بدون عذرٍ شرعي.
- ومن الناس من هو معتدل مستقيم إذا رأى المشقة جمع، وإذا لم يكن ثَمَّةَ مشقة لم يجمع، فهذا الذي هو على هدى مستقيم، وهو الناصح لنفسه ولمن وراءه من الجماعة.
لهذا يجب على طلبة العلم أن يبينوا للأئمة هذه المسألة بياناً واضحاً حتى لا يتجرأ أحدٌ على الجمع بدون عذر، ولا يتأخر أحدٌ عن الجمع إذا وجد عذراً) انتهى كلامه رحمه الله .
الخطبة الثانية
الواجب على كل مسلم أن يتحرى في عباداته كلها ما يوافق الشرع المطهر ، وأن يحذر ما يخالف ذلك . وأن يحرص أن يصلي الصلوات في أوقاتها ، لذا تجد كثيرا من الأئمة الموفقين لا يتسرعون في الجمع بل أحيانا يضطرون أن يعرضوا هذا الموضوع على من هو أعلم منهم حتى لا يقعوا في الإثم ويتحملوا خطايا وآثام من يصلون خلفهم ؛ فالمسألة جد خطيرة فها بعضهم يعرض الأمر على اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية حيث يسألها السؤال التالي : (إننا في منطقة الباحة في هذا الوقت يكثر الضباب الكثيف الذي قد يحجب الرؤية أحيانا وهناك أمطار على فترات وبرد شديد ولا نعرف هل يجوز لنا أن نجمع الصلاة في هذه الظروف؟ نرجو من سماحتكم إفادتنا في هذا الأمر والله يرعاكم ويحفظكم.(26/7 المجموعة الثانية)
ج: يجوز الجمع بين المغرب والعشاء إذا كان هناك مطر نازل يبل الثياب أو وحل يصعب على المصلين الوصول معه إلى المسجد دفعا للحرج عن المصلين وأما الضباب فليس عذرا في إباحة الجمع.... [تكملة من(مجموع الفتاوى 22 / 30 - 31) لنفس اللجنة ] ...... والذين يسارعون إلى الجمع لمجرد وجود غيم أو مطر خفيف لا يحصل منه مشقة ، أو لحصول مطر سابق لم ينتج عنه وحل في الطرق ، فإنهم قد أخطأوا خطأ كبيرا ، ولا تصح منهم الصلاة التي جمعوها إلى ما قبلها ؛ لأنهم جمعوا من غير عذر ، وصلوا الصلاة قبل دخول وقتها). اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاءعضو: عبدالعزيز آل الشيخ عضو: صالح الفوزان الرئيس : عبدالعزيز بن عبد الله بن باز
وطُرح على العلامة ابن عثيمين سؤالا من أحد الأئمة أثناء  اللقاء الشهري الذي كان يعقده رحمه الله ، وهذا نص السؤال: (فضيلة الشيخ : الإنسان يخشى من الإثم وخاصة الأئمة، يخشى الإمام من الإثم في الجمع إذا جمع؛ لأنه يخاف ألا يكون فعله مسوغاً للجمع، ويخاف من الإثم إذا ترك الجمع؛ لأنه يخاف من تشديده على من وراءه وتأثيره عليهم وخصوصاً وقد ورد: من ولي من أمر أمة النبي eشيئاً فشدد عليهم أن يشدد الله عليه، فماذا يفعل وأيهما أحوط الجمع أم عدمه؟ )
فأجاب رحمه الله : ( ..... إذا تردد بين الجمع وعدمه لعدم اتضاح السبب المسوغ؛ فإن الأصل ألا يجمع؛ لأن الجمع يحتاج إلى ثبوت السبب، فإذا لم يثبت فإن الأصل عدم الجمع فلا يجمع، ولكن إذا لم يجمع ثم انصرف الناس من الصلاة إلى بيوتهم ثم حدث مطر يؤذي فللناس أن يصلوا في البيوت ويكتب لهم الأجر كاملاً؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل صحيحاً مقيماً). إذاً: الواقع أنه قد يتيقن المشقة، أو يتيقن عدم المشقة، أو يغلب على ظنه المشقة، أو يغلب على ظنه عدم المشقة، أو يتردد / فمتى يكون الجمع؟ يكون الجمع إذا تيقن المشقة أو ترجح عنده وجود المشقة، أما إذا علم أن لا مشقة أو ترجح عنده أن لا مشقة أو شك فلا يجمع.
 

تابع كل جديد برسالة الكترونيه لـ إيميلك فورا