03‏/11‏/2012

هدي النبي في الأكل جماعة

هدي النبي في الأكل جماعة

 
فضيلة الشيخ : ما هو هدي النبي في الأكل جماعة :
الجواب:
نحمد الله ونصلي ونسلم على أنبيائه ورسله وبعد:
يستحب الاجتماع على الطعام ؛ فقد أورد الطبراني من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالاجتماع على الطعام ونهى عن الأكل فرادى فقال : ( كلوا جميعاً ولا تفترقوا ؛ فإن طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية) وأصل الحديث عند مسلم من غير جملة (كلوا جميعاً ولا تفترقوا)
وهذا يدل على زيادة البركة كلما زاد عدد الآكلين .
 
كما دل الحديث على علة الاجتماع على الطعام ، قال ابن حجر في الفتح : (فيؤخذ منه أن الكفاية تنشأ عن بركة الاجتماع ، وأن الجمع كلما كثر ازدادت البركة ) فتح الباري (9/446).
وهذا واضح فقد بين النبي صلوات الله عليه في حديث آخر ذلك – أي أن الاجتماع على الطعام سببٌ لحلول البركة فيه - فعن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسليم قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع . قال صلى الله عليه وسلم : ( فلعلكم تفترقون ؟)
قالوا: نعم .
قال: (فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه ؛ يُبارك لكم فيه) رواه أحمد وأبو داود وصححه شيخنا رحمه الله .

قال الإمام أحمد: (إذا جمع الطعام أربعاً فقد كمل: إذا ذُكر اسم الله في أوله ، وحُمد الله في آخره ، وكثرت عليه الأيدي ، وكان من حِل ) زاد المعاد (4/232).

وقد بين حبيبنا صلوات الله عليه بعض الأمور التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار عند الأكل جماعةً ، منها :
·         أولاً : منع الآكل من تناول الطعام قبل التسمية :
o        فمن السنة أن يسميَ الآكل قبل أكل طعامه ، وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم الجارية والأعرابي من تناول الطعام عندما أرادا أن يتناولاه معه من غير تسمية ؛ لأن ذلك يجعل الشيطان يشاركهم في الطعام ؛ فعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: ( كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده .
 
وإنا حضرنا معه مرة طعاماً فجاءت جارية كأنها تُدفع فذهبت لتضع يدها في الطعام فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها . ثم جاء أعرابي كأنما يُدفع فأخذ بيده .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الشيطان يستحلُّ الطعام أن لا يُذكر اسم الله عليه ، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها ، فأخذت بيدها .
 
فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به ، فأخذت بيده . والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يدها ) رواه مسلم وغيره .
·         ثانياً : أن لا يضع أحدٌ يده في الطعام قبل الأكبر أو الأتقى
o         فعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: ( كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده ... الحديث) رواه مسلم .
فكان الصحابة لا يبدؤون بتناول الطعام بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم احتراما وتقديرا له صلوات الله وسلامه عليه وامتثالا لقوله جل وعلا : ( يا أيها الذين أمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) .
ويقاس على ذلك احترام الأكبر كالأب و الجد ....... ، وكذا تقديم الأتقى أو الأعلم ....... والله أعلم .
·         ثالثا :أن يأكل الإنسان مما يليه ، ولا تطيش يده في القصعة فيمدن يديه على مآكل غيره
o        لقوله صلى الله عليه وسلم : ( يا غلام سم الله ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك ) متفق عليه
وفي رواية أخرى من روايات الحديث عند مسلم أن عمر بن أبي سلمة قال : (أَكَلْتُ يَوْمًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَجَعَلْتُ آخُذُ مِنْ لَحْمٍ حَوْلَ الصَّحْفَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كُلْ مِمَّا يَلِيكَ ».

وعلة النهي في ذلك أن الأكل من موضع أيدي الناس فيه سوء أدب ، وتقذر الآخرين منه.
·         رابعاً : أن لا يتناول الآكل أكثر من حبة أو قطعة في آن واحد في حضرة الجماعة :
o         فعن شعبة عن جبلة قال : (كنا بالمدينة في بعض أهل العراق فأصابنا سنةٌ، فكان ابن الزبير يَرْزقنا التمر، فكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يمر بنا فيقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم : نهى عن الإقران، إلا أن يستأذن الرجل منكم أخاه ) رواه الشيخان .
قال ابن الجوزي : ( فأما حكم الحديث فإن هذا إنما يكون في الجماعة ، والعادة تناول تمرة واحدة ، فإذا قرن الإنسان زاد على الجماعة واستأثر عليهم)
 
ويقاس على التمر كل ما جرت العادة تقديمه قطعة قطعة ، كقطع البطيخ والكيك .... وغير ذلك ، وحب التين والعنب ...... وغير ذلك .
·         خامساً : لا يأكل نصيبه ونصيب غيره ، بل يكتفي بنصيبه وبثلث معدته 
o        إلا أن يكون الطعام لا يكفي للجميع إن هو ملأ ثلث معدته ، فعليه بهذا الحالة الإقلال حتى يكفي الطعام للجميع ؛ فعن مقدام ابن معدي كرب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما ملأ آدميٌ وعاءً شراً من بطنٍ، بحسب ابن آدم أُكلاتٌ يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلثٌ لطعامه، وثلثٌ لشرابه، وثلثٌ لنفسه ) رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه وصححه شيخنا الألباني رحمه الله.
·         سادساً :استحباب الكلام على الطعام
o        مخالفة للعجم فإن من عادتهم السكوت على الطعام كما قال أبو حامد الغزالي في إحياء علوم الدين (2/11) والمشابهة منهيٌ عنها .
قال ابن مفلح: قال إسحاق بن إبراهيم: تعشيت مرة أنا وأبو عبد الله[أحمد بن حنبل] وقرابة له، فجعلنا لا نتكلم وهو يأكل ويقول: الحمد لله وبسم الله، ثم قال: أكلٌ وحمدٌ خيرٌ من أكل وصمت.
·         سابعاً : يستحب بمن يسقي الجماعة أن يكون آخرهم شرباً
o        لحديث قتادة -رضي الله عنه- الطويل- قال: ( ..... فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب وأسقيهم حتى ما بقي غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ثم صب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اشرب . فقلت : لا أشرب حتى تشرب يا رسول الله . قال: إن ساقيالقوم آخرهم شرباً . قال: فشربت وشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث ) رواه مسلم.
·         ثامناً : يكره النفخ في الطعام
o        قياسا على كراهية التنفس والنفخ في الإناء - لتواجد العلة نفسها - ، قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة-رضي الله عنه- : ( إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء ... الحديث ) رواه الشيخان .
وكذا حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( نهى أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه ) . رواه الترمذي وأبو داود وصححه شيخنا الألباني رحمه الله .
 
والنهي عن التنفس في الإناء هو من طريق الأدب مخافة من تقذيره ونتنه وسقوط شيء من الفم والأنف فيه ونحو ذلك .
وأما النفخ في الشراب فإنه يُكسبه من فم النافخ رائحة كريهة يُعاف لأجلها.
·         تاسعاً : تحريم الجلوس على مائدة تحتوي خمراً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يُشرب عليها الخمر...) رواه أحمد .
·         عاشراً : يحرم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة
o        فعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: ( سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا فيصحافهما، فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة ) رواه الشيخان .
 
وعن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ) رواه الشيخان .  
هذا وبالله التوفيق ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

الشيخ الدكتور أنس العمايرة
دكتوراه في التفسير وعلوم القرآن
الأردن - عَمان 

 

التاريخ : 16 شعبان 1432 هـ

الموافق :18/7/2011م
الشيخ الدكتور
أنــس الـعـمـايـرة
 
موضوع الفتوى: الأكل جماعة.
فتوى رقم : ع ش7 /109/2011

تعليق واحد على هدي النبي في الأكل جماعة

بارك الله فيكم و جعله في ميزان حسناتكم
و جعل لنا في رسول الله قدوه حسنه

إرسال تعليق

تابع كل جديد برسالة الكترونيه لـ إيميلك فورا