22‏/11‏/2012

في مثل هذا الشهر

       في مثل هذا الشهر 
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [سورة آل عمران:102).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)(سورة النساء:1)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [سورة الأحزاب:70-71".
 أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، ثم أما بعد :
أيها المسلمون : في مثل هذا الشهر (شهر محرم) طورد داعية آخر أخٌ لمحمد صلى الله عليه وسلم  نهجُه كنهجِه ومسيرتُه كمسيرتِه ودعوتُه كدعوتِه ، إنه موسى عليه السلام ، حيث خرج مطرودا من مصر يطارده فرعون المجرم وجنوده وحوصر موسى وأتباعُه عيث البحر أمامَه وفرعون وجيشه خلفَه ، فقال اتباع موسى له إنا لمدركون فتبسم موسى كما تبسم محمد صلى الله عليه وسلم في الغار وقال) كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء:62) ويتلقى المكالمةَ في الحال ( اضرب بعصاك البحر ) فتحول البحر إلى يابسة ونجّى الله موسى ومن معه وأغرق فرعون وجيشه وجعله آية إلى يوم القيامة ، وكان ذلك في اليوم العاشر من هذا الشهر ( محرم) فصام موسى هذا اليوم شكرا لله.
فلما أُخبر النبيُ صلى الله عليه وسلم بذلك شارك أخاه في فرحة الفلاح والانتصار وشارك زميله في هذا اليوم الأغر يومِ عاشوراء وتتضامن معه وتكاتف وصامه فعن ابن عباس قال :
( قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود صياما فقال ما هذا قالوا هذا يوم أنجى الله فيه موسى وأغرق فيه فرعون فصامه موسى شكرا .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه ) ابن ماجه وأصله في البخاري.
  وفي صيامه يا عباد الله تكفير لذنوب السنة السالفة قال صلى الله عليه وسلم : ( إني أرجو من الله أن يكفر السنة الماضية) مسلم . ومن السنة أن تصوم يوما قبله لقوله صلى الله عليه وسلم ( لئن بقيت الى قابل لأصومن التاسع والعاشر ) مسلم
فشكر الله لموسى دعوته ومنهجه وبذله وتضحيته ، وشكر الله لمحمد صلى الله عليه وسلم بذله وشجاعته وتضحيته من أجل هذه الأمة ، وشكر الله لكل من سار على منهجه عليه السلام وضحى من أجل مبادئه وبذل من أجل دعوته وساهم في رفع رسالته .
أسأل الله أن يجمعنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبإبراهيم وبموسى وعيسى وبالأخيار الطيبين وبالشهداء الصالحين وبالأبرار الصدّيقين  في مقعد صدق عند رب العالمين .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

19‏/11‏/2012

السيرة الذاتية

حاصل على الدرجة الجامعة الأولى (البكالوريوس) في الشريعة الإسلامية تخصص (دعوة وأصول دين)

حاصل على الدرجة الجامعة الثانية (الماجستير) في الشريعة الإسلامية تخصص (تفسير وعلوم قرآن)

حاصل على درجة (العالمية) (الدكتوراه) في الشريعة الإسلامية تخصص (تفسير وعلوم قرآن)

* حاصل على العديد من الاجازات والشهادات في التلاوة والتجويد منها :
1. إجازة بسند في التلاوة التجويد( حفظا وترتيلاً)
2. المتقدمة في التلاوة والتجويد من الجامعة الأردنية بتقدير (ممتاز)
3. المبتدئة في التلاوة والتجويد من الجامعة الأردنية بتقدير (ممتاز)
4. إجازة وزارة الأوقاف الأردنية في أحكام تجويد القرآن وتلاوته

* حاصل على العديد من الدورات المتعلقة بالحاسب الاكتروني أهمها :
1. الرخصة الدولية لقيادة الحاسوب(ICDL)
2. دورة(intl) التعليم للمستقبل.

* حاصل على العديد من الدورات التربوية والمسلكية منها:
1. دورة الأطر العام للمناهج (وزارة التربية والتعليم الأردنية)
2. دورة أسالييب تدريس مادة التربية الإسلامية .

* باحث في كثير من قضايا التعليم وعوائقه ، من تلك الأبحاث :
1. بحث بعنوان :المناقشة كطريقة من طرق تدريس التربية الإسلامية .
2. بحث بعنوان : نظام المجموعات كطريقة من طرق تدريس التربية الإسلامية .
3. بحث بعنوان :طرح الأسئلة المباشرة وأثرها في التحصيل العلمي.
4. بحث بعنوان : العصف الذهني وأثره في العملية التعليمية التعلمية.
5. بحث بعنوان : أساليب تدريس مادة التلاوة والتجويد.
6. بحث بعنوان : عوائق تدريس مادة التلاوة والتجويد في الأردن.
7. بحث بعنوان : الخطط العلاجية لتدني مستوى أداء الطلبة في مادة التلاوة والتجويد.
8. بحث بعنوان : طرق التدريس الحديثة .... وقفة تأمل
9. عودة الدراسة بين الواقع والمرتجى.

* تأليف العديد من الكتب العلمية التخصصية ، منها :
1. أيسر الأساليب لتعلم الطلاب التجويد( للمُبْتَدِئِيْن) ( الناشر : مكتبة البلاغ ) عمان.
2. مفتاح السعادة للعروسين( الناشر : الدار العثمانية ) عمان .
3. الترادف في القرآن الكريم بين المثبتين والنافين" دراسة منهجية مقارنة ".

* هناك العديد من النشاطات والمشاركات في المواقع الالكترونية ، أهمها :
1. موقع الشيخ الدكتور أنس العمايرة
http://anas.almenhaj.net/
2. عضو في شبكة المنهاج الإسلامية .
3. عضو مشارك فعال في ملتقى أهل التفسير .
4. عضو مميز في ملتقى أهل الحديث .
5. عضو في موسوعة الإعجاز العلمي (اللغوي والبياني) للقرآن و السنة.
6. عضو في الألوكة (المجلس العلمي) .
7. عضو نشط في ملتقى الفصحى لعلوم اللغة العربية وآدابها 

15‏/11‏/2012

الهجرة النبوية الشريفة


"الهجرة النبوية  الشريفة "
       إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [سورة آل عمران:102).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)(سورة النساء:1)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [سورة الأحزاب:70-71".
 أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، ثم أما بعد :
أيها الإخوة الكرام : إن العالمَ الاسلامي في هذه الأيام يطوي عاما هجريا انتهى ويستقبل عاما جديدا ، يدخل هذا العام في عدادِ سنواتِ التاريخِ الإسلامي ، الذي بدأ من ذلك الحدثِ الكبيرِ ألا وهو الهجرةُ النبوية ، حيث خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابِه من مكة المكرمة التي هي موطنُه ومهدُ ولادتِه إلى المدينة المنورة التي صارت معقلَ الإسلامِ وديارَ المسلمين  . لقد كان لهذا الحدثِ أسبابٌ أدت إليه ووقائعُ ذاتُ معنى ومغزى عميق ، أسفرت عن دروس وعبر كثيرة استفاد منها المسلمون المخلصون على مدى التاريخ الإسلامي الطويل ، وكان له نتائج هامة وعظيمة ، ساهمت في تغيير مجرى التاريخ الإنساني كله ، فكانت دروسُ الهجرةِ ومعانيْها نورا أضاءَ للأمةِ دربَ الكفاحِ والجهاد وصفحاتٍ علَّمتْ المسلمين طرائقَ الدعوة والإرشاد . وفي هذا اليوم المبارك لا أود سرد أحداث يوم الهجرة إذ أن تلك الأحداث معلومة عند الكبار والصغار ولكن نريدُ اليومَ أن نقفَ على أهم الدروس والعبر من هذه الحادثةِ وأول هذه الدروس:
درسُ التوكل ِ على الله : وتفويض ِ الأمر له وصِدق ِ اللجوء إليه.
 فلا كافيَ إلا الله يقول الله على لسان أحد الصالحين:]وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ* فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا[(غافر: 44-45) ويقول الله لرسولِه محمدٍe:]أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ[(الزمر:36)وكلُ شيء دونَ الله فهو تحتَه ودونَه وعبدٌ له،فلا قيمةَ له ولا وزنَ له ولا تأثيرَ له
إن قصة الهجرة يتجلى فيها التوكلُ كأحسن ما يتجلى في أي صورة وفي أي موقف / يدخل صلى الله عليه وسلم الغارَ ومعه أبو بكر ويُحيط الغارَ جنودُ الكفر من قريش فيقول أبو بكر – كما في البخاري - يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لرآنا فيتبسم صلى الله عليه وسلم - والتبسم في وجه الموت أمر لا يجيده إلا العظماء- يتبسم صلوات الله عليه وسلامه عليه  ويقول بلهجة الواثق بربه المتوكل ِ على مولاه ( يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ ! ). لا إله إلا الله .... هل يُغلب هؤلاءِ االثلاثة ؟ أم تكون الدائرة على أعدائهم ؟ إذا كان الله ثالثَهما ؟ فمن المغلوب؟من هو الخاسر في الجوله ؟ من هو المنهزم في آخر المعركة ؟ يقول صلى الله عليه وسلم لأبي بكر مواسيا له ( لا تحزن إن الله معنا ) أخرجه البخاري لا إله إلا الله  ... إذا كان الله معك فأي قوةِ تَخذلُك ؟ إذا كان الله يُحبُك فأي قوة تَحول بينك وبين الله . إذا كان الله يكرمُك فأي قوة تُهينُك. إذا كان الله يُعزكُ فأي قوة تُذلك. إذا كان الله يغنيك فأي قوة تفقرك،إنه الله الذي لا إله إلا هو . يطارِدُ سراقةُ محمدا صلى الله عليه وسلم فلا يلتفت ، يقرأ القرآن صلى الله عليه وسلم ولا يلتفت لأنه موقن بأن الله معه ، يدعو على سراقة فتغير أقدام فرسه في التراب حتى يصلَ بطنُه على الأرض ؛ فيصبح سراقة مهددا بالموت فيقول : يا محمد اكتب لي أمانا على حياتي أنتَ الآن محميٌّ وأنا مهدد ؟ ( فر من الموت وفي الموت وقع) فيتبسم صلى الله عليه وسلم ويقول : ( يا سراقة كيف بك إذا سُوَّرتَ بسواري كسرى ؟ )لا إله إلا الله انظروا إلى هذا التفاؤل ِ الكبيرِ منه صلى الله عليه وسلم.
في يوم الهجرة في اليوم الذي طورد فيه ؟كيف قال ذلك ؟ولماذا قاله ؟لأنه يعلم أن الله لن يخذله لذا قال قبلها كلمة ً دوّت في هضبات مكة وأوديتها بهمسة بسيطة في فيه أبي بكر (لا تحزن إن الله معنا) بعلمه سبحانه وهي معيةُ الحفظِ والتأييدِ والتسديدِ لأوليائه ، المعيةُ التي صاحبت إبراهيمَ عليه السلام وهو في النار والمعيةُ التي صاحبت موسى أما الطاغية فرعون والمعيةُ التي صاحبت يونس في بطن الحوت والمعيةُ التي صاحبت يوسف في السجن./هذا درس عظيم أيها الاخوة الكرام نحن والله بحاجة ماسة له اليوم . فيجب علينا أن نحمل صدق التوكل على الله ليس في أذهاننا فقط بل في حياتنا وتصرفاتنا

الدرس الثاني من دروس الهجرة : أن الصالحين والدعاةَ وأهلَ العلم ِوالدين ِمطاردون دائما من قِيل الظلمة ؛ لأنهم يهدِدِون مصالحهم التي بُنيت على الظلم ، ويصادرون شهواتِهم ولا يطاوعونهم في نزواتهم . لذلك طورد محمدٌ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه من بعده ، ومِن قبلُ نوحٌ وإبراهيمُ وموسى وعيسى وباقي الأنبياء رضوان الله عليهم . إن أهل الباطل دوما يرون في حملة المبادئ وفي رواد الحق خصماءَ على طول الطريق ؛ لأنهم يقولون لهم : لا .. في كل معصية وفي كل شهوة وفي كل نزوة . 

الدرس الثالث من دروس الهجرة : أن الله يحفظ أولياءه .
 قال الله في الحديث القدسي الصحيح: ( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ) نعم يُؤذَوْن ويضطهدون ويحبسون ويقدمون رؤوسهم رخيصة لله ، ولكن ينتصرون بإذن الله لأن العاقبة للمتقين }إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ{ (غافر: 51- 52) والنتيجة الحتمية أنهم هم المنصورون في آخر المطاف وأن الباطل مهما انتفش ومهما علا ومهما كبر فإنه كما قال تعالى :}فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرْضِ{(الرعد: من الآية17) الباطل له صولة والحق له جولة والعاقبة للمتقين وتكفل الله أن يحفظ دعائم هذا الدين والمتمسكين بسنة أشرف النبيين والمنطويين تحت لوائه إلى يوم الدين .

الدرس الرابع من دروس الهجرة : التضحية من أجل هذا الدين : 
وذلك واضح في حياته صلى الله عليه وسلم ولكن ماذا فعلتُ أنا وماذا فعلتَ أنتَ لهذا الدين ؟ كل إنسان منا الآن يسأل نفسه ماذا فعلتُ لهذا الدين ؟ ماذا قدمنا ؟ محمد صلى الله عليه وسلم شُغله الشاغل أنفاسه خواطره أفكاره أمواله أهله روحه لله . هاجر من مكة مطروطا أغلقت مكةُ أبوابَها في وجهه ترك أمواله وبيته وأهله وكلَ ما يملك في مكة ووقف في حمراءَ الأسد يخاطب مكة التي ولد فيها وتربى فيها وعاش فيها وأكل منها وشرب من مائها واستنشق هواءها ولعب في سهولها وأعتلا جبالها وترعرع في تلالها  ..... خاطبها قائلا:(ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك)أخرجه ابن ماجة والدارمي والترمذي وقال حسن غريب صحيح وصححه الالباني ثم تدمع عيناه ويذهب. يوضع سلا الجزور على رأسه وهو ساجد فيصبر،يحثى التراب عليه،يشج رأسه ويدمى أصبعه وتكسررباعيته يطارد ويخرج من بلده فيصبر ويحتسب .

فإذاً : التضحية هكذا : أن تقدم دمك ومالك ودموعك ووقتك وولدك وأسرتك  للإسلام. وإلا الركعاتُ والتسبيحات التي يمتن بها كثير من الناس ولكنهم لا  يحترقون على الدين و لايغضبون لانتهاك محارم إياك نعبد وإياك نستعين فإن أمرتَهم بترك الربا قالوا يا شيخ مضطرين ، وإن أمرتَهم بإرخاء اللحى قالوا يا شيخ لا بد من مواكبة العصر، وإن طلبتَ منهم استخدام السواك قالوا يا شيخ الناس وصلت القمر ، وإن طلبتَ منهم عدم إسبال الثوب قالوا يا شيخ الدين في القلب ، وإن طلبت منهم ترك العمل الحرام قالوا يا شيخ الله غفور .... وإن طلبتَ منهم ترك الغيبة قالوا هذه حقائق وليست غيبة. وإن تحدثتَ عن تقصيرنا اتجاه الدين رأيتَهم يمدحون أنفسهم ويقولون الحمد لله نصلي الصلوات الخمس في المسجد ونصوم ونزكي وحججنا كذا مرة واعتمرنا كذا مرة  

أوردها سعد وسعد مشتمل * ما هكذا يا سعد تورد الإبل

أيها الموحدون يا حملة العقيدة ويا حراس الملة : إن في هذا الحدث العظيم ( حدث الهجرة النبوية الشريفة ) من الآيات ِالبينات، والآثار ِالنيرات، والدروس ِوالعبر البالغات، ما لو استلهمته أمة الإسلام اليومَ وعملت على ضوئه وهي تعيش على مفترق الطرق؛ لَتَحققَ لها عزُها وقوتُها ومكانتُها وهيبتُها، ولعلمتْ علم اليقين أنه لا حلَ لمشكلاتِها ولا صلاح لأحوالها؛ إلا بالتمسك بإسلامها، والتزامها بعقيدتها وإيمانها، فوالذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق بشيراً ونذيراً ما قامت الدنيا إلا بقيام الدين، ولا نال المسلمون العزة َوالكرامة َوالنصرَ والتمكينَ إلا لمّا خضعوا لرب العالمين.
وهيهات أن يحلَ أمنٌ ورَخاءٌ وسلامٌ إلا باتباع نهج الأنبياء والمرسلين.
إذا تحقق ذلك -أيها المسلمون- وتذكرت الأمة ُهذه الحقائق الناصعة، وعملت على تحقيقها في واقع حياتها كانت هي السلاحَ الفاعل الذي تقاتل به، والدرعَ الحصين الذي تتقي به في وجه الهجمات الكاسحة، والصراع ِ العالمي العنيف، فالقوة لله جميعاً، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
نفقي الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي سيد المرسلين أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فيا فوز المستغفرين استغفروا الله .
(الخطبة الثانية)

بسم الله وكفى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبة ، أما بعد :
أيها الإخوة الأفاضل حري بنا في بداية هذا العام الهجري الجديد أن نسأل أنفسنا هذا السؤال :
ماذا قدمنا للعام الهجري المنصرم ؟ ذهب من أعمارنا عام ، مات فيه قوم وعاش قوم واغتنى قوم وافتقر قوم فماذا قدمنا للإسلام ؟ إننا عند التأمل الدقيق بأحوالنا للعام المنصرم  نلمس أننا لم نقدمْ شيئا يذكر للأمة الإسلامية بأسرها ، لا على صعيد الأفراد ولا على صعيد الجماعات . فعلى مستوى العالم الإسلامي  فلم نلاحظ تطورا إنتاجيا ولا اقتصاديا ولا علميا ولا اجتماعيا. فنحن لم نخدمْ مجتمعاتِنا ولم نقدم لها شيئا . 

أما على مستوى الأفراد فماذا أودعنا في العام الماضي ؟ وكيف نستقبل العام الجديد ؟  اسأل نفسك أيها المسلم ، حاسب نفسك ،عد إلى نفسك ، فليحاسب كلُ إنسان نفسه ،هل أمضيناه بالأعمال الصالحة ؟هل

ربينا أولادنا على طاعة الله هل حفظناهم شيئا من القرآن ...  من السنة ... من الفقه ... من السيرة ؟ ، هل تدارسنا القرآن في بيوتنا ومع زوجاتنا وأبنائنا ، هل قرأنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم  على مسامع أسرتنا هل إلتزمنا نحن بسنته صلى الله عليه وسلم أم استهزأنا بها وبمن يتمسك بها بالخفاء نرجو الله جل جلاله أن نكون ممن تمسك بسنته واقتدى أثره 

اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأصوبه ، اللهم صل على سيدنا محمد ........









09‏/11‏/2012

لماذا شهد للجارية بالإيمان ولم يشهد لهذا الرجل بالإيمان وشهد له بالإسلام

السؤال : فضيلة الشيخ احسن الله اليكم ونفع بكم:
هناك إشكال عندي في مسائل الإيمان لماذا قال النبي في جارية أبي معاوية السلمي أعتقها فإنها مؤمنة وأبى أن يقول للرجل الذي قال فيه سعد فإنه مؤمن قال أو مسلم، لماذا شهد للجارية بالإيمان ولم يشهد لهذا الرجل بالإيمان وشهد له بالإسلام؟

  الجواب:
نحمد الله ، ونصلي ونسلم على أنبيائه ورسله ، ونستفتح بالذي هو خير : ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، ثم أما بعد:

نصيحتي للسائل – وقبل الإجابة على سؤاله – أن يجلس عند أحد المشايخ أصحاب العلم الشرعي المعتبر ؛ ليتعلم مسائل الإيمان ؛ إذ إن هذا العلم من الضروري بمكان أن يتلقاه من أهل السلف حتى لا يقع في اعتقاد الخوارج أو المرجئة أو غيرهم من الفرق الضالة.
وكونه يقول : (هناك إشكال عندي في مسائل الإيمان ) فعليه المبادرة إلى جلسات أحد العلماء المعتبرين شرعا ؛ ليدرس التوحيد ومسائل الإيمان على منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين.  

أما بالنسبة للسؤال فاعلم حفظك الله : أن كلمة الإيمان تطلق ويراد بها عدة معان ذلك حسب الحالة ، فمن ذلك :

تطلق ويراد بها : (التصديق اللازم للدخول في الدين) ، وإن كان صاحبه مقصراً في كثير من الواجبات. ذلك كقول الله جل وعلا في كفارة قتل الخطأ: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) [النساء:92] فلو أعتق فاسقاً أو صاحب كبيرة فإن عتقه صحيح بالإجماع. لأن الإيمان في الآية لم يقصد به الإيمان المطلق بل قصد به (مطلق الإيمان) أي : أن يكون صاحب الرقبة محققا لأصل الإيمان ، لا مستكملا له.  
وكذا قول الله جل جلاله في كثير من الآيات : (يأيها الذين آمنوا) والخطاب باتفاق العلماء لسائر المسلمين سواء أصحاب المعاصي أو الكبائر أو فساقهم أو محسنيهم .......
ومن هذا الباب حديث معاوية بن الحكم السُّلَمِىِّ الذي رواه مسلم حيث قال : ( َكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالجَوَّانِيَّةِ ، فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا ، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِى آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ ؛ لَكِنِّى صَكَكْتُهَا صَكَّةً ؛ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَىَّ ؛ قُلتُ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أُعْتِقُهَا ؟
قَالَ : ائْتِنِي بِهَا .
 فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ لَهَا : أَيْنَ اللَّهُ ؟
 قَالَتْ فِي السَّمَاء ؟
قَالَ : مَنْ أَنَا ؟
قَالَتْ : أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ .
 قَالَ : أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ) .
فقصد عليه الصلاة والسلام مطلق الإيمان . أي (تصديق هذه الجارية اللازم للدخول في الدين).
وقد نص علماء السلف -رحمهم الله رحمة واسعة- أنه إذا كان الكلام  يختص بالأحكام الدنيوية كالعتق والمواريث والزواج والطلاق وغيرها فإن أصحاب الكبائر والمعاصي ، و الفساق يسمون مؤمنين؛ لأنهم يحملون أصل الإيمان، فضلا عن غيرهم ممن لم يتلبس بما تلبسوا به. وحديث الجارية والآية من باب العتق ؛ فالآية تتحدث عن تحرير رقبة ، والحديث يتحدث عن عتق الجارية.

وأحياناً : يُنتقل من لفظة الإيمان إلى غيرها : وغالبا ما يكون ذلك في حالة تزكية النفس والمدح والإطراء. لأن الله جل وعلا نهى عن تزكية النفس فقال : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) (النجم:32) وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَدَحَ رَجُلٌ رَجُلا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( وَيْحَكَ ، قَطَعْتَ عُنُقَ أَخِيكَ مِرَارًا ، إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لا مَحَالَةَ ، فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ فُلانًا وَاللهُ حَسِيبُهُ، وَلا أُزَكِّي عَلَى اللهِ أَحَدًا أَحْسِبُهُ إِنْ كَانَ يَعْلَمُ كَذَا وَكَذَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصحِيحِ.

من ذلك رفض الله قول الأعراب بأنهم مؤمنون في سورة الحجرات ، حيث قال الرب جل جلاله : (قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) [الحجرات:14]
فأثبت لهم الإسلام ونفى عنهم الإيمان ، وبإثبات الإسلام لهم يكونوا قد حققوا ( أصل الإيمان) ؛ لأنهم إن عدموا الإيمان كفروا وبنص الآية هم ليسو كفاراً.
فسبحانه وتعالى نفى عنهم الإيمان المطلق لا مطلق الإيمان ، بمعنى نفى عنهم سبحانه وتعالى (كمال الإيمان) ولم ينفِ عنهم (أصل الإيمان) بدليل قوله  سبحانه : (وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) .
والسبب في العدول عن اسم الإيمان إلى اسم الإسلام هو : أن الأعراب صرحوا بأنهم مؤمنون من باب التزكية، والثناء. فأراد الله أن يبين لهم أن كمال الإيمان تحقيقه ليس سهلا ، فهو لايتحقق بمجرد دخولكم في الدين. 
ففي الآية انتقال منه إلى غيره بسبب المدح والثناء. 

ومن هذا الباب حديث سعد رضي الله عنه، في الصحيحين قال: (قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسماً، فقلت: يا رسول الله، أعط فلاناً فإنه مؤمن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو مسلم) فانتقل النبي صلى الله عليه وسلم بحق هذا الرجل إلى اسم الإسلام، فهذا انتقال عن اسم الإيمان إلى اسم الإسلام، مع أن الرجل لا شك أنه أتى بما أتت به الجارية وأكثر . فهو يؤمن بأن الله في السماء وأن محمداً رسول الله. إلا أنه لم يطلق عليه اسم الإيمان كما أطلق على الجارية ؛ لأن المقام والحال مختلف، فسعد إنما ذكر ذلك على جهة المدح والثناء ، وإذا قصد مقام المدح والثناء فإنه لا يسمى بالإيمان إلا من استفاض هذا الأمر فيه، وإنما يستعمل في الإطلاق وبين عامة المسلمين اسم الإسلام.كما جاء في شرح العقيدة الطحاوية (ص : 158).



وخلاصة القول : إذا ذكر الثناء والمدح فلا يطلق اسم الإيمان و لا يُثنى و يمدح بها إلا من استفاض هذا الأمر فيه ، وظهر استتمامه لواجبات الإيمان.
 وإذا ذكر مقام الأحكام الدنيوية كالعتق والميراث والولاية ونحو ذلك فإن ذلك الشخص يطلق عليه مؤمناً ويسمى به.
هذا وبالله أعلم وبالله التوفيق .
 


 الشيخ الدكتور أنــس الـعـمـايـرة

موضوع الفتوى:استخدامات لفظتي الإيمان والإسلام.
فتوى رقم : ع ش1 /148/2012

التاريخ :22 صفر 1433 هـ
الموافق :16/1/2012م
 

بين الإيمان والإسلام

السؤال:فضيلة الشيخ احسن الله اليكم ونفع بكم:
هناك إشكال عندي في مسائل الإيمان لماذا قال النبي في جارية أبي معاوية السلمي أعتقها فإنها مؤمنة وأبى أن يقول للرجل الذي قال فيه سعد فإنه مؤمن قال أو مسلم، لماذا شهد للجارية بالإيمان ولم يشهد لهذا الرجل بالإيمان وشهد له بالإسلام؟

  الجواب:
نحمد الله ، ونصلي ونسلم على أنبيائه ورسله ، ونستفتح بالذي هو خير : ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، ثم أما بعد:

نصيحتي للسائل – وقبل الإجابة على سؤاله – أن يجلس عند أحد المشايخ أصحاب العلم الشرعي المعتبر ؛ ليتعلم مسائل الإيمان ؛ إذ إن هذا العلم من الضروري بمكان أن يتلقاه من أهل السلف حتى لا يقع في اعتقاد الخوارج أو المرجئة أو غيرهم من الفرق الضالة.
وكونه يقول : (هناك إشكال عندي في مسائل الإيمان ) فعليه المبادرة إلى جلسات أحد العلماء المعتبرين شرعا ؛ ليدرس التوحيد ومسائل الإيمان على منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين.  

أما بالنسبة للسؤال فاعلم حفظك الله : أن كلمة الإيمان تطلق ويراد بها عدة معان ذلك حسب الحالة ، فمن ذلك :

تطلق ويراد بها : (التصديق اللازم للدخول في الدين) ، وإن كان صاحبه مقصراً في كثير من الواجبات. ذلك كقول الله جل وعلا في كفارة قتل الخطأ: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) [النساء:92] فلو أعتق فاسقاً أو صاحب كبيرة فإن عتقه صحيح بالإجماع. لأن الإيمان في الآية لم يقصد به الإيمان المطلق بل قصد به (مطلق الإيمان) أي : أن يكون صاحب الرقبة محققا لأصل الإيمان ، لا مستكملا له.  
وكذا قول الله جل جلاله في كثير من الآيات : (يأيها الذين آمنوا) والخطاب باتفاق العلماء لسائر المسلمين سواء أصحاب المعاصي أو الكبائر أو فساقهم أو محسنيهم .......
ومن هذا الباب حديث معاوية بن الحكم السُّلَمِىِّ الذي رواه مسلم حيث قال : ( َكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالجَوَّانِيَّةِ ، فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا ، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِى آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ ؛ لَكِنِّى صَكَكْتُهَا صَكَّةً ؛ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَىَّ ؛ قُلتُ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أُعْتِقُهَا ؟
قَالَ : ائْتِنِي بِهَا .
 فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ لَهَا : أَيْنَ اللَّهُ ؟
 قَالَتْ فِي السَّمَاء ؟
قَالَ : مَنْ أَنَا ؟
قَالَتْ : أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ .
 قَالَ : أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ) .
فقصد عليه الصلاة والسلام مطلق الإيمان . أي (تصديق هذه الجارية اللازم للدخول في الدين).
وقد نص علماء السلف -رحمهم الله رحمة واسعة- أنه إذا كان الكلام  يختص بالأحكام الدنيوية كالعتق والمواريث والزواج والطلاق وغيرها فإن أصحاب الكبائر والمعاصي ، و الفساق يسمون مؤمنين؛ لأنهم يحملون أصل الإيمان، فضلا عن غيرهم ممن لم يتلبس بما تلبسوا به. وحديث الجارية والآية من باب العتق ؛ فالآية تتحدث عن تحرير رقبة ، والحديث يتحدث عن عتق الجارية.

وأحياناً : يُنتقل من لفظة الإيمان إلى غيرها : وغالبا ما يكون ذلك في حالة تزكية النفس والمدح والإطراء. لأن الله جل وعلا نهى عن تزكية النفس فقال : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) (النجم:32) وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَدَحَ رَجُلٌ رَجُلا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( وَيْحَكَ ، قَطَعْتَ عُنُقَ أَخِيكَ مِرَارًا ، إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لا مَحَالَةَ ، فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ فُلانًا وَاللهُ حَسِيبُهُ، وَلا أُزَكِّي عَلَى اللهِ أَحَدًا أَحْسِبُهُ إِنْ كَانَ يَعْلَمُ كَذَا وَكَذَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصحِيحِ.

من ذلك رفض الله قول الأعراب بأنهم مؤمنون في سورة الحجرات ، حيث قال الرب جل جلاله : (قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) [الحجرات:14]
فأثبت لهم الإسلام ونفى عنهم الإيمان ، وبإثبات الإسلام لهم يكونوا قد حققوا ( أصل الإيمان) ؛ لأنهم إن عدموا الإيمان كفروا وبنص الآية هم ليسو كفاراً.
فسبحانه وتعالى نفى عنهم الإيمان المطلق لا مطلق الإيمان ، بمعنى نفى عنهم سبحانه وتعالى (كمال الإيمان) ولم ينفِ عنهم (أصل الإيمان) بدليل قوله  سبحانه : (وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) .
والسبب في العدول عن اسم الإيمان إلى اسم الإسلام هو : أن الأعراب صرحوا بأنهم مؤمنون من باب التزكية، والثناء. فأراد الله أن يبين لهم أن كمال الإيمان تحقيقه ليس سهلا ، فهو لايتحقق بمجرد دخولكم في الدين. 
ففي الآية انتقال منه إلى غيره بسبب المدح والثناء. 

ومن هذا الباب حديث سعد رضي الله عنه، في الصحيحين قال: (قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسماً، فقلت: يا رسول الله، أعط فلاناً فإنه مؤمن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو مسلم) فانتقل النبي صلى الله عليه وسلم بحق هذا الرجل إلى اسم الإسلام، فهذا انتقال عن اسم الإيمان إلى اسم الإسلام، مع أن الرجل لا شك أنه أتى بما أتت به الجارية وأكثر . فهو يؤمن بأن الله في السماء وأن محمداً رسول الله. إلا أنه لم يطلق عليه اسم الإيمان كما أطلق على الجارية ؛ لأن المقام والحال مختلف، فسعد إنما ذكر ذلك على جهة المدح والثناء ، وإذا قصد مقام المدح والثناء فإنه لا يسمى بالإيمان إلا من استفاض هذا الأمر فيه، وإنما يستعمل في الإطلاق وبين عامة المسلمين اسم الإسلام.كما جاء في شرح العقيدة الطحاوية (ص : 158).



وخلاصة القول : إذا ذكر الثناء والمدح فلا يطلق اسم الإيمان و لا يُثنى و يمدح بها إلا من استفاض هذا الأمر فيه ، وظهر استتمامه لواجبات الإيمان.
 وإذا ذكر مقام الأحكام الدنيوية كالعتق والميراث والولاية ونحو ذلك فإن ذلك الشخص يطلق عليه مؤمناً ويسمى به.
هذا وبالله أعلم وبالله التوفيق .
 


 الشيخ الدكتور أنــس الـعـمـايـرة

موضوع الفتوى:استخدامات لفظتي الإيمان والإسلام.
فتوى رقم : ع ش1 /148/2012

التاريخ :22 صفر 1433 هـ
الموافق :16/1/2012م

07‏/11‏/2012

لا أدري كيف يصنعون بكلمة "لا إله إلا الله" إذا جاءت يوم القيامة ؟!!


  لا أدري كيف يصنعون بكلمة "لا إله إلا الله" إذا جاءت يوم القيامة ؟!! 
    إنه ليحزن القلوب ويدمع العيون ما سمعناه وشاهدناه على القنوات المحلية والعالمية مما حصل يوم الجمعة في محافظة الزرقاء ، ممن يطلق عليهم (السلفية الجهادية) وهم بحق ليسوا بسلفيين ، بل هم تكفيريون ، يرون - بنظرهم السقيم- أن الحكومات والمجتمعات الإسلامية في الوقت الحاضر (كفارا) ؛ وبالتالي يجيزون لأنفسهم رفع السلاح ومقاتلة إخوانهم المواطنين ورجال الأمن وغيرهم ، ظننا منهم أن ذلك التصرف الأرعن موافق للشرع الحنيف .
ولكن لا أدري كيف يصنعون بكلمة "لا إله إلا الله" إذا جاءت يوم القيامة ؟!!
النقطة الأولى: لا أدري كيف يصنع التكفيريون بكلمة "لا إله إلا الله" إذا جاءت يوم القيامة ؟!! ولا أدري كيف تطيب لهم أنفسهم رفع السلاح على أخوتهم رجال الأمن الذين ينشرون الأمن والاستقرار ، وقد روى الشيخان عن أسامة بن زيد بن حارثة قال :( بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله فكف عنه الأنصاري وطعنته برمحي حتى قتلته ، قال فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي : ((يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟!!)) قال : قلت يا رسول الله إنما كان متعوذا فقال صلى الله عليه وسلم :(( أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله ؟!!)) قال فما زال يكررها عليّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم(متفق عليه).
وعند مسلم في رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم : ((لم قتلته ؟)) قال يا رسول الله أوجع في المسلمين وقتل فلانا وفلانا وسمى له نفرا وإني حملت عليه فلما رأى السيف قال لا إله إلا الله . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أقتلته ؟!) قال : نعم. قال صلى الله عليه وسلم : (( فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة )) قال يا رسول الله استغفر لي . قال صلى الله عليه وسلم : (( وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة )) قال أسامة : فجعل لا يزيد على أن يقول: (كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة) رواه مسلم؟.
فإذاً من شهد الشهادتين فهو معصوم الدم في الإسلام ولا يجوز قتله لأي سبب من الأسباب ، ويجوز للحاكم أو من ينوبه فقط ( تنبه) قتله لأسباب ثلاث هي : الزنا ، وقتل النفس ، والمرتد فقط . ففي الحديث الذي يرويه الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة).
وقد دلت آيات وأحاديث كثيرة جدا على حرمة قتل المسلم ، منها قول الله جل جلاله : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)(النساء:93) وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات قالوا وما هي يا رسول الله قال : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق .......)) متفق عليه ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم )) رواه مسلم ، وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق)) رواه ابن ماجه بإسناد حسن ورواه البيهقي والأصبهاني وزاد فيه : (( ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار)) وفي رواية : (لكبهم الله النار) . وقد وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمام الكعبة وقال:(ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك ) .
والنقطة الثانية هي : كما أن دماء المسلمين محرمة فإن أموالهم محرمة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر الذي يرويه الإمام مسلم في صحيحه : ( إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ). وبالتالي يحرم إلحاق الضرر بأموال المسلمين ، وعليه فكل مظاهرة أو اعتصام أو تجمع يؤدي إلى الاعتداء على المرافق العامة ، أو الاعتداء على أموال الناس وممتلكاتهم الخاصة ، والمنشآت العامة للدولة ، والمصالح التجارية الخاصة ، (كما رأينا في الصور من تكسير الحافلات العمومية ) وغير ذلك من الأمور التخريبية التي من شأنها تعطيل المصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها ، فتكون هذه المظاهرات والاعتصامات محظورة شرعا.
النقطة الثالثة : إن ما حصل يوم الجمعة في الزرقاء اعتداء سافر على أمن الوطن واعتداء على حرمة بلاد المسلمين وترويع للآمنين فيها وهذا من الإفساد في الأرض التي جاءت الآيات مهددة لفاعليه قال تعالى : )وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(لأعراف: من الآية85) وفيها لفتتان:
    أولهما : أن عدم الفساد والإفساد في الأرض بعد أن صلحت وأصبحت آمنة مطمئنة خير للأمة لما في الفساد والإفساد من تدمير وإرهاب وترويع للآمنين وقتل للأنفس المعصومة وجرح لآخرين ، وهتك لحرمات الدين في الأنفس والأموال والأمن والاستقرار وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم وغدوهم ورَواحهم ، وهتك للمصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها .
    الثانية : من الآية الكريمة هي في قوله تعالى (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) من قوله : )وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ففيها أن المؤمن لا يفكر بالإفساد أبدا ولا يفكر في قتل الآخرين أبدا ؛ إذ أن الإيمان يُوجِد عند المؤمن حالة من التقوى والمراقبة لله ، وهذه الحالة تمنع صاحبها من ارتكاب المحرمات ، وفعل المعاصي والمنكرات . فالإيمان بالله هو صمام الأمان والأمن والطمأنينة في حياة الأفراد والمجتمعات ، فهو أقوى حارس لهم يمنعهم من الاعتداء والظلم والإيذاء . فما أبشع وأعظم جريمة من تجرأ على حرمات الله وظلم عباده وقتلهم وسفك دمهم وأموالهم ؟!
النقطة الرابعة : تذكرة لمن شارك في اعتصام يوم الجمعة وحمل السلاح ورفعه على اخوته :
أود أن أذكركم يا من طعنتم إخوتكم في الدين والعقيدة أن المنهج السلفي الحق براء من تصرفاتكم وأفعالكم التي صدرت منكم ، وأنكم محاسبون أمام الله جل وعلا وسيسألكم عن تصرفاتكم الإجرامية هذه .
كما أهمس في أذنكم أن العلماء الربانيين ، والدعاة الصادقين ، ينبغي عليهم أن يكونوا نصحة ً ومخلصين ، يعلّمون دينَ الله ، ويوقظون عباد الله. ويقودون الأمة إلى شاطئ الأمان وبر السلام ، فكم تعبوا – في العصور الماضية- والناس مستريحون ، وكم يَقِظُون والناس غافلون ، وكم نفع الله بهم البلاد والعباد ، فهم يحــثّــــون الأمة على الجماعة ، ويحذرونها من الفرقة ، ويدينون بالولاء لله ورسوله ، ويؤلفون القلوب ، ويصدون عن الأمة الغارات والحروب ، فهم صمام الأمان في المجتمع حقاً ، وأهل الخير في الأمة صدقاً. فحقٌ عليهم أن يسلكوا المسار الصحيح في الدعوة في هذا العصر ، كما كانت عبر القرون الماضية ، فيسيروا بحفظ من الله مع الدعوة الشامخة الوضاءة ، تنير الطريق للسالكين ، وتنشر النور والخير للخلق أجمعين ، يحمل لواءه دعاة علماء جهابذة ، قد ارتووا من منبع الوحيين ، اخلصوا إلى الله فخلصت دعوتهم إلى قلوب عباد الله ، يدعون إلى الله بعلم وبصيرة مستنيرين بالنصوص النقلية ومستعينين بالقواعد الفقهية والمقاصد الشرعية ، دعوا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالأساليب الشرعية ، ولا يهيجون فتنة ولا يعملون إلى إثارة فوضى ، لا ينكرون المنكر بمنكر أعلى منه ، يدرؤون المفاسد ويجلبون المصالح ، ويردون عن الأمة عاديات الفتن وأمواج المحن ، يلزمون العقل في أقوالهم وأفعالهم ، والحسن في تصرفاتهم ، ويبدؤون بالأهم فالأهم ، ويأخذون بالأصلح فالأصلح ، يقدمون أعلى المصلحتين ، ويرتقبون أخف الضررين ، وأدنا المفسدتين لرفع أعلاهما ، وإذا نتج من جزء الدعوة مصلحة ومفسدة وتكافأتا قدموا درأ المفاسد على جلب المصالح ، ويعملون لسد الذرائع ، يسعون إلى الإصلاح برفق وحكمة ، لا يغلبهم حماس طائش ، ولا اندفاعٌ وعجلة.

وأخيرا أسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يهيئ لأمة الإسلام من أمرها رشداً، وأسألُه أن يُعِزها بالإسلام ، وأن يحفظها بالإسلام ، وأن يقيها من شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يخذل من أراد أن يعكر صفوَ أمن ِالمجتمعات الإسلامية ، أن يخذل جهوده ومخططاته ، وأن يجعل كيده في نحره ، وأن يكفي بلاد المسلمين عدوان الغاشمين وتربص المتربصين إنه جواد كريم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

06‏/11‏/2012

جولة مع كلمة (الجهاد) و تصاريفها في القرآن الكريم

جولة مع كلمة (الجهاد) و تصاريفها في القرآن الكريم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

وردت كلمة الجهاد في القرآن الكريم في ثمانية وثلاثين موضعاً تقريباً وكان نصيب الأفعال منها أكثر من نصيب الأسماء ، حيث أنها لم ترد في صيغة الاسم إلا ست مرات فقط ، وباقي ورودها كان بصيغة الفعل . ومن الآيات التي وردت بصيغة الفعل:
( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين )[29]
 ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير )[30] .
 ( إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم )[31].
 ( والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة ورزق كريم والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم )[32] .
( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير )[33] .
 ( لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون )[34] .
 ( انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون )[35] .
 ( الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجةً عند الله وأولئك هم الفائزون )[36] .
 ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون )[37] .
 ( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قومٍ بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير )[38].
 ( فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً  )[39] .
 ( وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير )[40] .
أما بصيغة الاسم فقد وردت في الآيات التالية:
 ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين )[41] .
 ( فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً  )[42] .
 ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل )[43]
(وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير )[44].
 ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسه فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً)[45] .

الجهاد
(( بذل الجهد لنصرة دين الله وإعلاء كلمته
سواء كان ذلك بالسلاح أو بالمال أو بالكلمة أو بالقلم  أو بالنفس أو به كله ))
عند التمعن في الآيات التي وردت فيها كلمة الجهاد نلاحظ أن كلمة الجهاد يقصد بها أحيانا المعنى الذي قصد في كلمة القتال وهو : حمل السلاح وخوض المعركة وقد يقصد بها بذل المال ، وقد يقصد بها الكلمة ، والحجة، والبرهان .
فأما الأولى والثانية ففي قوله تعالى: ( انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون )[46] .
 وقوله :( الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجةً عند الله وأولئك هم الفائزون )[47] .
وقوله : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون )[48] .
وقوله :( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قومٍ بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير )[49] .

ففي هذه الآيات وغيرها بين الله عز وجل أن الجهاد وقد يكون بالنفس وقد يكون بالمال.

وأما الجهاد بالكلمة والحجة والبرهان فذلك في قوله تعالى: ( فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً  )[50] .
 أي بالقرآن الكريم ، ومما يدل على ذلك قول الني صلى الله عليه وسلم : (أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر ، أو أمير جائر )[51]
من المعلوم أن كلمة الحق لا تحتاج إلى حمل السلاح وإنما تحتاج إلى قوة إيمان ، وبذل الجهد في مقاومة الظالمين ، وكلمة الجهاد تدل على ذلك ؛ لذا أطلق على كلمة العدل :( الجهاد ) ؛ لما في الجهاد من مشقة وبذل الجهد وتحمل المتاعب ، وفي ذلك يقول ابن فارس :
(جهد : الجيم والهاء والدال ، أصله المشقة ، ثم يُحمل عليه ما يقاربه فيقال جهدت نفسي وأَجْهَدت ، والجُهد الطاقة، قال الله تعالى: (والذين لا يجدون إلا جهدهم) { سورة التوبة الآية : 79 }. ويقال إن المجهود: اللبن الذي أُخْرِجَ زبده، ولا يكاد ذلك يكون إلا بمشقة ونَصَب؛..... ، ومما يقارب الباب الجَهاد، وهي : الأرض الصلبة . وفلان يَجْهَدُ الطعام، إذا حَمَل عليه بالأكل الكثير الشديد، والجاهد: الشهوان، ومَرْعَى جَهِيْدٌ: جَهَدَهُ المالُ لِطيبِه فأَكَلَه)[52].

والمشقة وبذل الجهد وتحمل المتاعب يكون بحمل السلاح ، كما يكون أيضا بالمال ، واللسان، والدعوة ، والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر، وتربية النفس ......ألخ

جولة مع كلمة (القتال) و تصاريفها في القرآن الكريم

جولة مع كلمة (القتال) و تصاريفها في القرآن الكريم

 بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
القتال والجهاد كلمتان قرآنيتان بينهما عموم وخصوص ، يظن البعض أنهما بمعنى واحد ، وهذا ليس صحيحاً ، فما الفرق بينهما ؟ .
للإجابة عن ذلك لا بد أن نستعرض هاتين الكلمتين في السياق القرآني أولاً ، ثم نلاحظ متى استعملت هذه ومتى استعملت تلك ، ثم نلتمس الفروق بينهما.

وردت كلمة القتال وتصاريفها في القرآن الكريم في أكثر من ثلاثة وستين موضعاً ، وكان ورودها بصيغة الأفعال أكثر من صيغة الأسماء ومن هذه المواضع ما يلي:
(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) (آل عمران:195).
 (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الأَبْصَارِ) (آل عمران:13).
 (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين َ) (البقرة:191).
  ( ولو قاتلتم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون ولياً ولا نصيراً )[1]
 ( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها وأجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً )[2] .
 ( ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرةٍ أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين )[3]
( فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً )[4].
 ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)[5] .
 ( قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأسٍ شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذاباً أليماً )[6] .
 ( إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاؤوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً )[7] .
 ( لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولّنّ الأدبار ثم لا ينصرون )[8] .
( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصدٌ عن سبيل الله وكفرٌ به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدِدْ منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )[9].
( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون )[10].
نظرات في سياق الآيات
عند التأمل في سياق الآيات التي وردت فيها كلمة القتال بجميع صيغها نلاحظ ما يلي:

القتال
(( لا يكون إلا بحمل السلاح وخوض المعارك وتعريض النفس للأخطار ))
أولا : أن الآيات تتحدث عن رفع السلاح أمام الأعداء ، وخوض غمار المعارك ، وتعريض النفس للأخطار ، وقد يكون فيها إزهاق للأرواح يظهر ذلك في قول الله عز وجل : ( إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاؤوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً )[11] .
 تتحدث الآية عن المنافقين الذين رفضوا الهجرة إلى أرض الإسلام (المدينة المنورة) وخرجوا من قومهم وذهبوا إلى قوم بينهم وبين المسلمين ميثاق وعهد وموادعة فاتصلوا بهم ورضوا بحكمهم فحينئذ يأخذون حكم أولئك المعاهدين ، فقوله تعالى: (حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم) أي : ضاقت صدورهم وتحرجوا عن قتالكم ورفع السلاح عليكم وكفوا أيديهم عنكم ، وكذلك تحرجوا من رفع السلاح على قومهم.
ومن الآيات التي توضح ذلك أيضا قوله تعالى : ( قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأسٍ شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذاباً أليماً )[12] .
 تتحدث الآية عن المخلفين الذين تخلفوا عن الحديبية[13] ، وتخبرهم بأنهم سيلتقون مع قوم أولى بأس شديد في القتال، فيرفعون سلاحهم عليهم ويقاتلوهم في ساحة المعركة أو يسلم هؤلاء القوم من غير قتال .
  ومن تلك الآيات أيضا قوله تعالى: ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصدٌ عن سبيل الله وكفرٌ به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )[14] .
 تتحدث الآية عن تعيير المشركين النبي صلى الله عليه وسلم  بالقتال الذي حدث في شهر رجب مع سرية عبد الله بن جحش وبينت الآيات أنهم ظالمين في تعييرهم هذا، إذ فيهم من القبائح ما بعضه أعظم مما عيروا  به المسلمين[15].
فكلمة القتال في قوله تعالى: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) تدل على إزهاق نفس عمرو بن الحضرمي[16].
ومن ذلك أيضا قوله تعالى: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص)[17].
بينت الآية أن الله يحب المقاتلين الذين يكونون متراصين متساوين في صفوف المعركة من غير خلل يحصل في صفوفهم ، حيث تكون صفوفهم منظمة ومرتبة تحصل فيها المساوة بينهم بحيث لا يتكل بعضهم على بعض ؛ لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حضر القتال صف أصحابه ورتبهم في مواقعهم.

مما سبق يتبين أن كلمة القتال تدل على الإماتة التي لا تكون إلا بحمل السلاح والمشاركة في ساحة المعركة ، وفي ذلك يقول ابن فارس :
( قتل: القاف والتاء واللام أصل صحيح يدل على إذلال وإماتة. يقال: قتََله قَتْلا، والقِتْلَة: الحال يُقْتَلُ عليها. يقال قَتَله قِتلة سَوء، والقَتْلة: المرّة الواحدة، ومَقَاتِل الإنسان : المواضع التي إذا أُصِيبت قَتَله ذلك؛ ومن ذلك: قَتلت الشيء خُبراً وعِلْماً، قال الله سبحانه: (وما قتلوه يقينا) { سورة النساء الآية : 157} ، ويقال تقتَّلت الجارية للرجل حتى عشقها، كأنها خَضَعَت . وأقْتَلتُ فلانا: عرّضتُه للقَتل ، وقلب مُقَتَّل : إذا قَتَّله العشق )[18] .


" لفظة القتال لا تختص بالمسلمين فقط "
ثانيا : لفظة القتال لا تختص برفع السلاح وخوض المعارك مع أعداء الله عز وجل، فقد ينسب  القتال للمشركين أيضا بخلاف كلمة الجهاد التي لا تنسب إلا للمسلمين  - كما سنبين ذلك في موضعه - ودليل ذلك قول الله عز وجل : ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين )[19] .
ففي قوله تعالى: (حتى يقاتلوكم فيه، فإن قاتلوكم فاقتلوهم) نُسب القتال للمشركين، ونسب أيضا للمسلمين .
ومن ذلك قول الله تعالى: (ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا)[20]، نرى أن القتال نسب إلى الكافرين أيضا .
  وقد نسبت كلمة القتال للمسلمين في مواضع كثيرة منها:
قوله تعالى : ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم مّن ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلو وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب )[21] .
وقوله تعالى :( قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار )[22] .
 وقوله تعالى: ( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها وأجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً )[23] .
 وقوله تعالى :( ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرةٍ أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين )[24] .  
وقوله تعالى :( فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً )[25] ، وغير ذلك كثير.

فمن ذلك نستنتج أن كلمة القتال تطلق على الكافرين كما تطلق على المؤمنين ؛ فهي ليست خاصة بأحد دون أحد ، ونستنتج أن هناك قتالا في سبيل الله كما قال : ( فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً )[26] ، وقتالا في سبيل الطاغوت كما قال تعالى : ( الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله ، والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت ، فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا )[27].
القتال : كُره ........ و خير
ثالثا : القتال لا يكون إلا بحمل السلاح وخوض المعارك وتعريض النفس للأخطار ؛ لذلك فقد تكرهه النفس خوفا من إزهاقها في ساحة المعركة، ولكن فيه خير كثير للمؤمنين الذين يقاتلون الأعداء لإعلاء كلمة الله عز وجل ، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى : ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون )[28] .

تابع كل جديد برسالة الكترونيه لـ إيميلك فورا