03‏/11‏/2012

هل يجوز العمل في الجمارك

هل يجوز العمل في الجمارك 


فضيلة الشيخ حفظكم الله تعالى ونفع بكم لدينا سؤال نرغب منكم ان تفتونا ماجورين ان شاء الله  هل يجوز العمل في دائرة الجمارك
الجواب:
الحمد لله القائل في كتابه العزيز : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) أحمده سبحانه على عدله وتحريمه للظلم ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله القائل : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ) صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كبيرا ، ثم أما بعد:
العمل في دائرة الجمارك يجوز في حالة واحدة : ذلك إذا كانت قائمة على حماية البلاد من المفسدين ومنعهم من إدخال المحرمات إلى البلاد كالخمور والمخدرات وأدوات الموسيقى والطرب والدخان وتوابعه ....... إلخ
ففي هذه الحالة موظفوا الجمارك على ثغرة من ثغر الإسلام وهم مأجورون في الدنيا والآخر .
أما إذا كانت تسمح بدخول ما حرم الله فيكون العمل معها محرما ؛ لما في ذلك من تعاون على الإثم والعدوان والمساعدة على انتشار الفاحشة في المجتمعات الإسلامية والله يقول : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) (النور:19) أما إذا كان العمل في هذه الدائرة يقوم على أخذ الضرائب من الواردات إجباراً من غير طيب نفس من أصحابها ففي ذلك معصيتان كبيرتان أولهما :
المساعدة على الفساد والفاحشة ؛ ذلك بسماح دخول ما هو محرم كما بينا سابقاً .
ثانيا : أخذ الضرائب على البضائع المستوردة ؛ وهي التي تُسمى (المكوس) وهو : أخذ أموال الناس بالباطل ؛ وبالتالي يحرم العمل بها . لأنها من كبائر الذنوب لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة التي زنت ، ثم أتت النبي صلى الله عليه وسلم ليقيم عليها الحد : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ ) رواه مسلم (3208) و صَاحِبُ مَكْسٍ هو : من يعاون الظلمة في أخذ أموال الناس بالباطل.
و في "القاموس" : (المكس النقص والظلم ، ودراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في الأسواق في الجاهلية) .
و في "النهاية" : (هو الضريبة التي يأخذها الماكس ).
وفي "شرح السنة" : (أراد بصاحب المكس : الذي يأخذ من التجار إذا مروا مَكْسًا باسم العشر).
و في "نيل الأوطار" :( صاحب المكس هو :من يتولى الضرائب التي تؤخذ من الناس بغير حق ).
وفي "عون المعبود" : (هو الضريبة والإتاوة ، وهو دراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في الأسواق في الجاهلية . أو تؤخذ من التجار إذا مروا).
وقد نقل ابن حزم رحمه الله الإجماع على حرمة ذلك في كتابه " مراتب الإجماع " ( ص 121 ) . حيث يقول : (واتفقوا أن المراصد الموضوعة للمغارم [أي الضرائب] على الطرق ، وعند أبواب المدن ، وما يؤخذ في الأسواق من المكوس على السلع المجلوبة من المارة ، والتجار : ظلم عظيم ، وحرام ، وفسق).
وصرح بالإجماع أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية حيث جاء في مجموع الفتاوى عند ذِكر ما يأخذه الإمام ( 28 / 278 ) ما نصه : (ونوع يحرم أخذه بالإجماع ... كالمكوس التي لا يسوغ وضعها اتفاقا).
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة السعودية العربية عن ذلك فأجابت بمفهوم ما ذكرتُه ، حيث جاء في الفتوى رقم (42563) :
قرأت في كتاب ( الزواجر عن اقتراف الكبائر ) لابن حجر الهيتمي في حكم المكوس ، ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها ، وأن أصحابها أشد الناس عذابا يوم القيامة ، وكثير من الدول يعتمد اقتصادها على تحصيل الرسوم الجمركية على الواردات والصادرات وهذه الرسوم بالتالي يقوم التجار بإضافتها إلى ثمن البضاعة المباعة بالتجزئة للجمهور ، وبهذه الأموال المحصلة تقوم الدولة بمشروعاتها المختلفة لبناء مرافق الدولة . فأرجو توضيح حكم هذه الرسوم وحكم الجمارك والعمل بها وهل يعتبر نفس حكم المكوس أم لا يعتبر نفس الحكم ؟.
الحمد لله
تحصيل الرسوم الجمركية من الواردات والصادرات من المكوس ، والمكوس حرام ، والعمل بها حرام ، ولو كانت ممن يصرفها ولاة الأمور في المشروعات المختلفة كبناء مرافق الدولة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أخذ المكوس وتشديده فيه ، فقد ثبت في حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه في رجم الغامدية التي ولدت من الزنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ) الحديث رواه أحمد ومسلم وأبو داوود.
وروى أحمد وأبو داوود والحاكم عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يدخل الجنة صاحب مكس ) وصححه الحاكم .
وقد قال الذهبي في كتابه الكبائر : والمكاس داخل في عموم قوله تعالى : ( إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) الشورى/42 .
والمكاس من أكبر أعوان الظلمة بل هو من الظلمة أنفسهم فإنه يأخذ ما لا يستحق ، واستدل على ذلك بحديث بريدة وحديث عقبة المتقدمين ثم قال :
والمكاس فيه شبه من قاطع الطريق وهو من اللصوص ، وجابي المكس وكاتبه وشاهده وآخذه من جندي وشيخ وصاحب راية شركاء في الوزر آكلون للسحت والحرام . انتهى .
ولأن ذلك من أكل أموال الناس بالباطل وقد قال تعالى :( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) البقرة/188 .
ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته بمنى يوم العيد في حجة الوداع : ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ) .
فعلى المسلم أن يتقي الله ويدع طرق الكسب الحرام ويسلك طرق الكسب الحلال وهي كثيرة ولله الحمد ومن يستغن يغنه الله ، قال الله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2-3 .
وقال : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ) الطلاق/ 4 ) وبالله التوفيق . انتهى
وقد سئل الشيخ محمد صالح المنجد هذا السؤال :
أعمل في الجمارك ، وقد سمعت أن هذا العمل غير جائز شرعاً ، فشرعت في البحث في هذه المسألة وقد مرت مدة طويلة وأنا أبحث دون أن أصل إلى نتيجة شافية . أرجو منكم أن تفصلوا لي المسألة قدر المستطاع .
فأجاب حفظه الله :
الحمد لله
أولاً :
العمل في الجمارك وتحصيل الرسوم على ما يجلبه الناس من بضائع أو أمتعة ، الأصل فيه أنه حرام .لما فيه من الظلم والإعانة عليه ؛ إذ لا يجوز أخذ مال امرئ معصوم إلا بطيب نفس منه ، وقد دلت النصوص على تحريم المَكْس ، والتشديد فيه ، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في المرأة الغامدية التي زنت فرجمت : ( لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ ) رواه مسلم (1695) .قال النووي رحمه الله :" فيه أن المَكْس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات ، وذلك لكثرة مطالبات الناس له وظلاماتهم عنده ، وتكرر ذلك منه ، وانتهاكه للناس وأخذ أموالهم بغير حقها ، وصرفها في غير وجهها " اهـ .
وروى أحمد (17333) وأبو داود (2937) عن عقبة بن عامر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ ) . قال شعيب الأناؤوط : حسن لغيره. وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود.
والمَكْس هو الضريبة التي تفرض على الناس ، ويُسمى آخذها (ماكس) أو (مكَّاس) أو (عَشَّار) لأنه كان يأخذ عشر أموال الناس ....... والمَكْس محرم بالإجماع ، وقد نص بعض أهل العلم على أنه من كبائر الذنوب . قال في "مطالب أولي النهى" (2/619) :( يحرم تعشير أموال المسلمين -أي أخذ عشرها- والكُلَف –أي الضرائب- التي ضربها الملوك على الناس بغير طريق شرعي إجماعا . قال القاضي : لا يسوغ فيها اجتهاد ) اهـ .
وقال ابن حجر المكي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/180) :( الكبيرة الثلاثون بعد المائة : جباية المكوس , والدخول في شيء من توابعها كالكتابة عليها ، لا بقصد حفظ حقوق الناس إلى أن ترد إليهم إن تيسر. وهو داخل في قوله تعالى : ( إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) الشورى/42 .
والمكاس بسائر أنواعه : من جابي المكس ، وكاتبه ، وشاهده ، ووازنه ، وكائله ، وغيرهم من أكبر أعوان الظلمة ، بل هم من الظلمة أنفسهم , فإنهم يأخذون ما لا يستحقونه ، ويدفعونه لمن لا يستحقه , ولهذا لا يدخل صاحب مكس الجنة ،لأن لحمه ينبت من حرام .
وأيضا : فلأنهم تقلدوا بمظالم العباد , ومن أين للمكاس يوم القيامة أن يؤدي الناس ما أَخَذَ منهم ، إنما يأخذون من حسناته ، إن كان له حسنات ,وهو داخل في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( أتدرون من المفلس ؟قالوا : يا رسول الله ، المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع . قال : إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام ، وقد شتم هذا ، وضرب هذا ، وأخذ مال هذا ، فيأخذ هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرح عليه ثم طرح في النار) .
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا يدخل الجنة صاحب مكس ) . قال البغوي : يريد بصاحب المكس الذي يأخذ من التجار إذا مروا عليه مكسا باسم العشر . أي الزكاة .
قال الحافظ المنذري : أما الآن فإنهم يأخذون مكسا باسم العشر ، ومكسا آخر ليس له اسم ، بل شيء يأخذونه حراما وسحتا ، ويأكلونه في بطونهم نارا ,حجتهم فيه داحضة عند ربهم ، وعليهم غضب ، ولهم عذاب شديد . اهـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "السياسة الشرعية": ص115 :
(
وأما من كان لا يقطع الطريق , ولكنه يأخذ خَفَارة ( أي : يأخذ مالاً مقابل الحماية ) أو ضريبة من أبناء السبيل على الرؤوس والدواب والأحمال ونحو ذلك , فهذا مَكَّاس , عليه عقوبة المكاسين . . . وليس هو من قُطَّاع الطريق , فإن الطريق لا ينقطع به , مع أنه أشد الناس عذابا يوم القيامة , حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في الغامدية : " لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له " ) اهـ .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن العمل في البنوك الربوية أو العمل بمصلحة الجمارك أو العمل بمصلحة الضرائب ، وأن العمل في الجمارك يقوم على فحص البضائع المباحة والمحرمة كالخمور والتبغ ، وتحديد الرسوم الجمركية عليها .
فأجابت : إذا كان العمل بمصلحة الضرائب على الصفة التي ذكرت فهو محرم أيضا ؛ لما فيه من الظلم والاعتساف ، ولما فيه من إقرار المحرمات وجباية الضرائب عليها ) اهـ ."فتاوى اللجنة الدائمة" (15/64) .
ومن هذا يتبين أن أخذ هذه الرسوم والضرائب ، أو كتابتها والإعانة عليها ، محرم تحريما شديداً .

 

التاريخ:6 صفر 1433هـ

الموافق :31/12/2011م
الشيخ الدكتور
أنــس الـعـمـايـرة
 
موضوع الفتوى: حكم العمل بالجمارك     
فتوى رقم : م ش12/145/2011
 

إرسال تعليق

تابع كل جديد برسالة الكترونيه لـ إيميلك فورا