06‏/11‏/2012

عقوبة الشنق حتى الموت -رؤية اسلامية

عقوبة الشنق حتى الموت -رؤية اسلامية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 الاخ الفاضل : الشيخ الدكتور انس العمايرة حفظه الله
 
ورد إلينا هذا السؤال، نرجوا أن تجيب عليه بشيء من التفصيل إن -أمكن- لأهمية الموضوع في حياتنا:
 
ما هو مدى مطابقة حكم الشنق حتى الموت مع التشريع، وهل تقرر في الشريعة هذا الحكم؟ وهل هذه العقوبة عادلة؟ وهل يجوز المطالبة بوقف تنفيذها كما هو مقرر في منظمات حقوق الإنسان؟
ادارة شبكة المنهاج الاسلامية
أخوكم في الله
  زيـــــــــــــاد أبـــو رجــــــــــــــائي
-----------------------------------
مدير ومشرف شبكة المنهاج الاسلامية
 
 
الجواب 
الحمد الله رب العالمين ، القائل في كتابه الحكيم (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ) والصلاة والسلام على نبيه الرحيم القائل : (فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ...) وبعد :
ينظر ( للشنق حتى الموت ) من نواح عدة ، هي كما يلي :
  1. الناحية الأولى : هل يمكن أن يكون (الشنق حتى الموت) وسيلة من وسائل تنفيذ حد معين من الحدود المقررة شرعا ؟
    إذا نظرنا لجميع الحدود فإننا لا نجد (الشنق حتى الموت) وسيلة مقررة من وسائل إزهاق النفس في الشريعة الإسلامية.
    فعلى سبيل المثال حد الزاني الثيب هو : إزهاق نفسه بوسيلة الرجم فقط . فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نستبدل هذه الوسيلة بوسيلة أخرى ؛ لأن الحدود توقيفية – كما هو معلوم- لا يجوز لأحد تغييرها أو استبدالها بعقوبة ما مهما كانت تلك العقوبة البديلة (سواء اشد أو أخف) ، وكذا لا يجوز لأي أحد –كائناً من كان- أن يستبدل الوسيلة المنصوص عليها في الكتاب أو السنة بوسيلة أخرى تؤدي الغرض ؛ بحجة أنها أسهل أو أسرع أو أيسر أو ألطف فى إزهاق روح القاتل ، أو بحجة أن المنصوص عليها غير ملائمة حضارياً أو أنها لا تواكب العصر أو أنها من قبيل الإرهاب أو أن فيها شئ من القسوة...... ألخ أو غير ذلك من المبررات التي ليس لها وزن ولا اعتبار في الشريعة المحمدية.
    وبناء ً على ذلك فإن القتل بطريقة الشنق يحرم استخدامه عِوضا عن حدٍ من الحدود المقررة شرعا ، لا خلاف في ذلك عند أهل العلم قاطبة.

  2. الناحية الثانية : هل يمكن أن يكون (الشنق حتى الموت) وسيلة من وسائل تنفيذ القصاص في حال كون القصاص قتلا ؟
    إذا قتل رجل رجلا عمدا فأهله مخيرون بين القصاص - وهو قتل القاتل بواسطة السلطان أو من ينصبه لذلك - أو العفو عن القاتل وقبول الدية.
    وفي حالة القصاص فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن يُقتص من القاتل بنفس الوسيلة التي أَزهق بها روح المقتول ، إلا أن تكون الوسيلة محرمة كمن قُتل بسحر أو بخمر أو بلواط أو غير ذلك فإنه يقتل بالسيف ليس إلا . وقد نقل المناوي الإجماع على قَتْل من قَتَل بالسحر ونحوه بأن يُقتل بالسيف حيث يقول في فيض القدير شرح الجامع الصغير (6/ 436 ) تحت الحديث رقم : (9918) : ( فمن قَتَل بالسحر قُتِل بالسيف إجماعا وكذا بنحو خمر ولواط).
قال القرطبي رحمه الله عند تفسيره لقوله تعالى : (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (البقرة:194)
(لا خلاف بين العلماء أن هذه الآية أصل في المماثلة في القصاص، فمن قَتَل بشيء قُتِل بمثل ما قَتل به، وهو قول الجمهور، ما لم يَقتله بفسق كاللوطية وإسقاء الخمر فيقتل بالسيف). تفسير القرطبي : 2/ 358.
إلا أن بعضهم استثنى من ذلك ما كان فيه تعذيب ؛ فيعدل حيئذ إلى السيف، قال ابن العربي: ( والصحيح من أقوال علمائنا أن المماثلة واجبة، إلا أن تدخل في حد التعذيب فلتترك إلى السيف). تفسير القرطبي : 2/ 358.
ومما يؤيد ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من وجوب الاقتصاص بالمماثلة (أي بنفس الوسيلة) أن النبي صلى الله عليه وسلم اقتص بالمثل في عدة حوادث منها :
  • أن يهودياً رضخ رأس جارية بحجر ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برضخ رأسه بحجر . كما في حديث أنس رضي الله عنه .
  • ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سمّر أعين العرنيين لأنهم سمروا أعين الرعاء . كما في حديث سليمان التيمي ، عن أنس رضي اله عنهما .
وهاتان الحادثتان وغيرهما تفسير واضح لقول الله جل وعلا :
(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:179) فإن كلمة القصاص تدل على معنى المماثلة والمساواة.
وقوله تعالى : (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ) (النحل:126) وقوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) (البقرة:194). وغيرها من الآيات في هذا الباب .
وبناءً على ما تقدم فإن القتل بطريقة الشنق لا تجوز في القصاص إلا إذا كانت هي الوسيلة التي تم القتل بها .
  1. الناحية الثالثة : هل (القتل شنقا) وسيلة معروفة في عصر النبي ؟ وهل أقرها الإسلام ؟ أم ابتعد عنها ؟
    عملية تطويق العنق بحبل بعد تعليقه للأعلى ثم إرخاء الجسم بثقله (أي : عملية الشنق) ذكرت في القرآن الكريم حيث يقول الله تعالى : (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ) (الحج:15)
    فليمدد بسبب : أي بحبل.
    إلى السماء: أي سقف بيته وليختنق غيظاً.
    فالآية تعلّم الكفار – أو المنافقين ، أو من ضعف إيمانه واستبطأ نصرة الله فتردد بين البقاء مع المسلمين وبين الرجوع إلى الكفار - تعلمهم الانتحار. وذلك من باب التهكم بهم في أنهم لا يجدون غنى في شيء من أفعالهم. وإنذاراً لهم باستمرار فتنتهم في الدنيا مع الخسران في الآخرة.
    والآية كلها جاءت للتعجيز ؛ إذ إن تعليق الجواب على حصول شرط لا يقع ، كقوله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا). والدليل على ذلك قوله : (هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ) فالاستفهام بـ (هَلْ) إنكاري. وهو معلق بفعل (فَلْيَنْظُرْ).
فإذن : ذكرت عملية الشنق في القرآن الكريم على سبيل تعجيز فئة كافرة و التهكم بها والإنكار عليها وإنذارها.
إلا أن ما يهمنا هنا هو : أن عملية الشنق عُرفت في عصر النبي صلى الله عليه وسلم بغشارة القرآن لها ، ومع ذلك لم تستخدم من قبل العرب ، والأهم من هذا أنها لم تقرر في الشريعة الإسلامية (لا في الكتاب ولا في صحيح السنة) مع أن المقتضى موجود والحاجة ماسة لوسيلة قتل ، فنجد الشارع الحكيم عدل عنها واختار وسيلة أخرى لإزهاق النفوس المستحقة للإزهاق ألا وهي : (القطع بالسيف). حيث ثبت في كثير من الأحكام الشرعية من حدود وتعزير أن إزهاق النفس يكون باستخدام السيف لفصل الرأس عن الجسم ، وكتب السنن والمسانيد مليْئة بهذا ، من ذلك:
  • عن أسامة بن شريك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (أيما رجل خرج يفرق بين أمتي فاضربوا عنقه) النسائي برقم 4023 ، 7/ 93 و هو (صحيح لغيره) كما قال شيخنا رحمه الله.

  • وعن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (من غير دينه فاضربوا عنقه) لذلك لما فعل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه ما فعل ؛ رفع عمر بن الخطاب سيفه وقال : يا رسول الله أضرب عنقه فقد كفر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : (يا ابن الخطاب وما يدريك لعل الله اطلع على هذه العصابة من أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) فاغرورقت عيناه وقال : الله ورسوله أعلم . ( إسناده صحيح ) وفي رواية عند أبي داود بسند صحيح أن عمر قال : (خَان الله ورسولَه والمؤمنين دَعنِي أَضربُ عُنقهُ ) صحيح أبي داود برقم : (2381).

  • وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (إذا سكر فاجلدوه ثم إن سكر فاجلدوه ثم إن سكر فاجلدوه ثم قال في الرابعة فاضربوا عنقه ) النسائي 8/313 برقم : 5662 . وصححه شيخنا رحمه الله .
    وَفِى رِوَايَةِ الطَّيَالِسِىِّ : (مِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ فَاقْتُلُوهُ). فالرواية الأولى توضح المقصود بالقتل في الرواية الثانية وتبين وسيلته المحددة شرعا وهي (ضرب العنق بالسيف) ليس إلا. لذا كان يقول عبد الله بن عَمْرٍو : ( ائْتُونِي بِرَجُلٍ قَدْ جُلِدَ فِي الْخَمْرِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَإِنَّ لَكُمْ عَلَيَّ أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ ) كما في المسند 11/ 557
وبناء على ما تقدم من أحاديث دالة على أن الوسيلة المشروعة في القتل هي قطع الرأس بالسيف ، مع أن الشنق كان معروفا في عصر التنزيل ، وبناءً على القاعدة : (تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز) . بناءً على ذلك اقول : لو كان هناك حاجة ماسة لوسيلة الشنق لنص عليها المشرع الحكيم ؛ ولعلم ربنا جل جلاله أن لا حاجة لها سكت عنها مع وجود المقتضى لها.
وقد أشار الإمام الشاطبي إلى ما يتعلق بسكوت الشارع عن تشريع أمرٍ ما، مع قيام المعنى المقتضي له زمن التنزيل ، حيث نبه – رحمه الله - إلى أن سكوت الشارع عن الحكم مع وجود الحاجة دل أن لا يزاد فيه ولا ينقص، لأنه لما كان هذا المعنى الموجب لتشريع الحكم العملي موجوداً ثم لم يشرع الحكم دلالةً عليه، كان ذلك صريحاً في أن الزائد على ما كان في عصر التنزيل بدعة زائدة ومخالفة لما قصده الشارع. حيث يقول رحمه الله تعالى :
(سكوت الشارع عن إعطاء حكم في مسألة ما زائدا عما كان في زمن التشريع مع وجود المقتضي لذلك فهو كالنص على أن قصد الشارع أن لا يزاد فيه ولا ينقص فيه)(الموافقات 2/396)
وبناء ً على ما قدمناه آنفا اطمئن إن قلتُ :
إن القتل بطريقة الشنق وسيلة غير مشروعة في دين الله جل وعلا ؛ لوجود الحاجة لها في عصر التنزيل مع السكوت عنها مما دل على رغبة المشرع بغيرها ورفضه لها .
أضف لذلك : ثبوت استخدام (السيف) للقتل المشروع فيما ليس فيه قصاص ومماثلة أو حد معين. بل إن بعض الحدود ثبت فيها القتل بواسطة السيف كالردة والخروج على الحاكم .... واستمر استخدام السيف كوسيلة للقتل من قبل الخلفاء على مر العصور إلى أن استحدثت بعض الدول الغربية الكافرة المعاصرة طرقا أخرى وأساليب شتى في ذلك ، فقد قرر واضعوا القانون الإنجليزي (البريطاني) طريقة الشنق وتبعهم في ذلك القانون الوضعي المصري – للأسف الشديد- وغيرها من البلاد ، بينما في إيطاليا يطلق الرصاص على المحكوم عليه بالقتل، وفي بعض الولايات المتحدة الأمريكية يصعق المحكوم عليه بالكهرباء. وفي فرنسا قطع الرأس كما صرح بذلك (عبد القادر عودة) في كتابه (التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي) (2/335)

  1. الناحية الرابعة : بقي أمر يجول في الذهن وهو : ما الحكمة من عدول الشارع الحكيم عن وسيلة الشنق واختيار وسيلة السيف ؟
    لا شك ولا ريب أن الرب حكيم ، لذا فإن كل حُكم شرعي له حِكَة عديدة علمنا ما علمنا منها وجهلنا ما جهلنا منها ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن اللّه عز وجل كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)
    وإذا تأملنا طريقة الشنق وقرأنا ما قرره الطب الحديث تبين لنا بعض من أسباب عدول المشرع الحكيم عنه ، إذ إن هذا النوع من القتل ليس فيه إحسان في أغلب الحالات ، بل فيه تعذيب للنفس في كثير من الحالات . يقول عبد القادر عودة في كتابه التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي (2/ 202) : (ولقد دلت التجارب على أن حبل المشنقة لا يزهق الروح في بعض الأحوال, وأنه لا يزهقها بالسرعة اللازمة في كثير من الأحوال)
أقول : لقد صرحت الدراسات الطبية المتخصصة ما قاله الأستاذ عبد القادر عودة ، ومما قرره أهل الاختصاص ما يلي :
  • أولاً : في بعض حالات الشنق لا تموت جميع خلايا الدماغ مباشرة وخاصة في المخ ، حيث تستمر في الحياة لعدة دقائق ، وإذا وضع رسم المخ الكهربائي في مثل تلك الحالة فإنه سيسجل نشاطا كهربائيا لعدة دقائق.
  • ثانياً : في جميع حالات الشنق يموت جذع الدماغ أولا ويبقى المخ أو بعض خلاياه وكذا خلايا النخاع الشوكي حية.
  • ثالثاً : في بعض حالات الشنق – وإن كانت نادرة- عند توقف التنفس يبقى جذع الدماغ حيا مما يؤدي إلى حياة نباتية تسمى (Vegetative life ) بحيث يبقى المصاب حيا لكنه فاقد الوعي والإحساس والإدراك وهو في غيبوبة تامة.
  • رابعاً : في بعض حالات الشنق يبقى الشريان (السباتي) أو الشريان (الفقرى) أو كلاهما مفتوحا مما يؤدي إلى استمرار القلب في الضخ والنبض لمدة عشرين دقيقة كاملة بعد توقف التنفس وموت جذع الدماغ.
جاء في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (2/ 320) ما نصه :
(وفي الشنق رغم أن المعتقد هو أن الفقرية السنية ( الفقرة العنقية الثانية ) Odontoid تنخلع فتضغط بذلك على المقطعين الأولين من النخاع الشوكي إلا أن الواقع الذي وصفه البروفيسور سيبمس ( أخصائي الطب الشرعي والباثلوجي للداخلية البريطانية ) يدل على أن سبب الموت في حالة الشنق هو تهتك وانفصام جذع الدماغ فيما بين القنطرة pons .
وفي الشنق يتوقف التنفس فورا نتيجة انفصام وتهتك جذع الدماغ بينما تبقى في بعض الأحيان تروية الدماغ حيث إن الشريان السباتي Carotid a. أو الشريان الفقرى vertebral a يظل أحدهما أو كلاهما مفتوحا وقد يستمر القلب في الضخ والنبض لمدة عشرين دقيقة كاملة بعد توقف التنفس وموت جذع الدماغ. بل ان بعض خلايا الدماغ وخاصة في المخ Cerebrum تستمر في الحياة لعدة دقائق وإذا وضع رسم المخ الكهربائي في مثل تلك الحالة فإنه سيسجل نشاطا كهربائيا لعدة دقائق) انتهى بتصرف.
وجاء أيضاً : (وفي الشنق يموت جذع الدماغ قبل موت المخ وقبل موت النخاع الشوكي).
وقد قرر المؤتمر الطبي للموت الدماغي في أبحاثه أن موت جذع المخ لا يعيني موت أعضاء الجسم وخلاياه . وفي ذلك يقول :
( لكن قد يموت جذع المخ بآلِيَّةٍ أخرى خاصةٍ به والمثال الأكبر لذلك هو حالاتُ الإعدام شنقا. فالرأس محمول على الفقرة الأولى ورباطهما وثيق لا يسمح إلا بانزلاق الرأس عليها أماماً وخلفاً. والفقرة الأولى محمولة على الثانية التي لها زائدةٌ عظمية محورية تصعدُ خلال ثقب في الفقرة الأولى مقدَّمُه عظميّ ومؤخره رباط ليفي. فإن دارت الرأس يمنةً ويسرةً فإنما تدور هي والفقرة الأولى معا حول هذا المحور العظمي للفقرة الثانية. وليس الإعدامُ شنقا إلا إلقاءَ وزن الجسم فجأة فينزاحُ للخلف فتقطعُ العظمة المحورية الرباط الذي كان يمسكها فتهرسُ جذع المخ الذي يحاذيها وهذا نفاذ الإعدام . هل ماتت آنذاك أعضاء الجسم وخلاياه ؟ لا.
ومعلومٌ أن القلبَ يظلُّ ينبضُ دقائق. ولو سلمنا جدلا بأننا سبقنا الموت إلى القلب فزودنا المريض بمضخة تنفسية تُزوِّد الدورة الدموية بالأكسجين ومن ثم القلب يظلّ نابضا يستمرُّ في ضخ الدورة الدموية بأكسجينها إلى الأعضاء بما فيها القلبُ نَفْسُه فيما يعرف بالإنعاش الصناعي) ينظر : أبحاث المؤتمر الطبي للموت الدماغي : 12/6.
فإذن : إذا تأملنا كلام المختصين يتبين لنا شيء من حِكم الباري في عدم إقرار هذه الطريقة في القتل.

وفي النهاية بقي أن نجيب على آخر سؤالين وهما : هل هذه العقوبة عادلة ؟ وهل يجوز المطالبة بوقف تنفيذها كما هو مقرر في منظمات حقوق الإنسان؟

أما عن عدالة هذه العقوبة : فليست عادلة لأنها ليست وفق الشريعة الإسلامية؛ وكل حكم خالف أحكام الشريعة فهو حكم ظالم وجائر ؛ لأن واضعه ظالم جائر فاسق على أقل الأحوال ، وكل أحكام الشريعة عادلة لأنها صادرة من صاحب العدالة المطلقة سبحانه وتعالى.
أما قوله :
هل يجوز المطالبة بوقف تنفيذها كما هو مقرر في منظمات حقوق الإنسان؟
  • أولاً : نحن لا نقر بهذه المنظمات مع أن اسمها وظاهرها فيه الرحمة إلا أن باطنها فيه الخداع والظلم والإجحاف ؛ وإلا فأين منظمات حقوق الإنسان من استعمال الأسلحة الفتاكة في العراق قبل سنوات ؟ وأين منظمات حقوق الإنسان من هدم المباني على أهلها وقتل الرجال والشباب وترميل النساء وتيتيم الأطفال في غزة وفلسطين؟ وأين منظمات حقوق الإنسان من القنابل العنقودية الساقطة على إخوتنا في لبنان في 2006 ؟ وأين منظمات حقوق الإنسان من الحصار الجائر على إخوتنا في غزة على مرأى ومسمع من العالم ؟ وأين منظمات حقوق الإنسان من تدمير المساجد وهتك عرض الشريفات في سوريا على مرأى ومسمع من العالم الغربي قبل العربي ؟ وأين منظمات حقوق الإنسان من تشتيت الشعوب وتفريقها ؟ وأين منظمات حقوق الإنسان من التسلط على المستضعفين وإذلالهم وسلبهم حرياتهم؟!!
    إنها منظمات صورية ، و حقوق ورقية، يُعمل بها بعنصرية وعرقية مقيتة وبغيضة .
  • ثانيا : أما هل يجوز المطالبة بوقف تنفيذها ؟
    فنحن نطالب بوقف تنفيذها لا لأن المنظمات المزعومة تطالب بتوقيفها ولا امتثالا لها ولا تماشيا معها ، لا ، بل نطالب بتوقيفها لأنها معارضة لشرعتنا ، كما نطالب بتوقيف كل حكم خالف الشرعة المحمدية ، ونتبرأ منه وممن وضعه ، ونطلب من جميع الحكومات العربية أن يتقوا الله في شعوبهم وأن يقودوهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم ، وأن يتخلوا عن القوانين الوضعية وأن يستبدلوها بنور الوحيين ؛ فإن في ذلك نجاحنا وعزنا وكرامتنا ونصرنا على أعدائنا .
 هذا و نسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يهيئ لأمة الإسلام من أمرها رشداً، وأن يُعِزها بالإسلام، وأن يحفظها بالإسلام، وأن يقيها من شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن ، و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .



 
موضوع الفتوى:الشنق والإسلام.
فتوى رقم : م ش1 /147/2012
الشيخ الدكتور
أنــس الـعـمـايـرة

 

التاريخ :19 صفر 1433 هـ

الموافق :13/1/2012م
الدكتور أنس العمايرة
الأستاذ  في التفسير وعلوم القرآن
الأردن - عَمان

إرسال تعليق

تابع كل جديد برسالة الكترونيه لـ إيميلك فورا