21‏/07‏/2013

لا قضاء على الحامل والمرضع

الحمدُ لله اللطيفِ الرؤوفِ المَنَّانِ ، أحْمَدُه على الصفاتِ الكاملةِ الحِسَان، وأشكرُه على نِعَمِهِ السَّابغةِ وبَالشَّكرِ يزيد العطاء والامْتِنَان، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحْدَه لا شريكَ له المَلِكُ الدَّيَّان، وأشهد أنَّ محمداً عَبْدُهُ ورسولُهُ المبعوثُ إلى الإِنس والجان، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعينَ لهم بإحسان ما توالت الأزمان، وسلَّم تسليماً كثيرا وبعد : كثيرا ما نُسْأل – في هذه الأيام - عن النساء الحوامل والمرضعات ، هل يجب عليهن الصيام ؟ وهل تقضي إحداهن ما عليها ؟ وهل تقترن الفدية مع القضاء ؟ أم قضاء فقط ؟ أم عليها فدية من غير قضاء ؟ . وللإجابة عن تلك التساؤلات أقول وبالله التوفيق : المرأة الحامل وكذا المرضع ، لها حالتان مع رمضان هما كما يلي : الحالة الأولى : استطاعة الحامل والمرضع الصيام من غير مشقة ولا ضرر يذكر عليها وعلى جنينها إن كانت حامل أو رضيعها إن كانت مرضع . ففي هذه الحالة لا يحق لها الإفطار في نهار رمضان البتة . الحالة الثانية : عدم استطاعتها الصيام ، أو خوفها على نفسها أو على جنينها وكذا رضيعها – ويقدر ذلك بقدره وبنصائح الطبيبة المسلة التقية – . ففي هذه الحالة جاز لها الإفطار - وقد يصل لمرحلة الوجوب – وحينئذ وجبت الفدية ولا قضاء عليها. والفدية هي : إطعام مسكين مكان كل يوم أفطرت فيه . أما الأدلة على وجوب الفدية وعدم وجوب القضاء فهي كما يلي : روى الإمام أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه بسند صحيح عن أَنسِ بن مالكٍ – وهو رجلٌ من بني عَبدِ الله بن كعبٍ ، و ليس أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم- قَال َ: (أَغارتْ عَلَينَا خيلُ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فأَتيتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجدتُهُ يتغدَّى ، فَقَال َ: (ادنُ فكُلْ). فقلتُ : إِنِّي صائمٌ . فَقَالَ: (إذنُ أُحدِّثكَ عن الصَّومِ أَو الصِّيَام ِ: إِنَّ الله وَضَعَ عن المسافرِ شطرَ الصَّلاةِ ، وعن الحاملِ أَو المرضعِ الصَّومَ أَو الصِّيَامَ) . والله لقد قَالَهُمَا النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كليهما أَو أَحدهما، فيا لَهُفَ نفسي أَنْ لا أَكُونَ طَعِمتُ من طعامِ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ). مع أن جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة - رحمهم الله تعالى- يُلحقان الحامل إذا خافت على ما في بطنها والمرضع إذا خافت على رضيعها بالمريض ؛ وحينئذ يجب عليهما ما يجب على المريض من القضاء . إلا أنني لا أميل لهذا الرأي ؛ إذ إن هناك روايات عدة عن الصحابة رضوان الله عليهم صرحوا بوجوب الفدية فقط مع اسقاطهم للقضاء ؛ ومعلوم أن كلام الصحابي مقدم على كلام من بعده لأمرين : أولهما : لاحتمالية سماع ما صرح به عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وبالتالي يأخذ حكم المرفوع . وثانيهما : وإلا فلا يعدو تصريحه فهم ذاتي منه ، ذلك من خلال : فحوى خطاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو بين أظهرهم حينذاك ، وهم أعلم الخلق بخطابه صلى الله وسلم عليه وطريقة تعبيره ومقاصدها ، وإما من خلال فهم الصحابي نفسه لروح الشريعة ومعرفة مقاصدها ؛ وبالتالي يكون فهمه مقدما على جميع الأفهام في الطبقات الأخرى من بعده. قلتُ : هناك روايات لعدد من الصحابة رضوان الله عليهم تدل أن المقصود من الحديث سقوط الصيام بالكلية ولا قضاء بل فدية ، من ذلك : 1 . ما أخرجه الطبري بسند صحيح على شرط مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : ( إذا خافت الحامل على نفسها ، والمرضع على ولدها في رمضان قال : يفطران ، ويطعمان مكان كل يوم مسكيناً ، ولا يقضيان صوماً) أخرجه الطبري (3/ 427) وقال شيخنا الألباني في الإرواء : ( إسناده صحيح على شرط مسلم ) انظر الإرواء : (4/19) 2. وقد روى الصحابي سعيد بن جبير رضي الله عنه عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما أنهما قالا قال : ( الحامل والمرضع تفطر ولا تقضي ) رواه الدارقطني في سننه : (2/ 207) برقم : ( 11) وقال : (وهذا صحيح ) . 3. وقد أخبر نافع عن ابن عمر أيضاً بسند جيد : ( أن امرأته سألته وهي حبلى ، فقال : أفطري وأطعمي عن كل يوم مسكينا ، ولا تقضى ) . رواه الدارقطني من طريق أيوب عن نافع : 2/ 207 ، برقم : 14. قال شيخنا في الإرواء : ( إسناده جيد). 4. وقال نافع : ( كانت بنت لابن عمر تحت رجل من قريش ، وكانت حاملا فأصابها عطش في رمضان ؛ فأمرها ابن عمر أن تفطر وتطعم عن كل يوم مسكينا ) . رواه الدارقطني من طريق عبيد الله عن نافع : 2/ 207 ، برقم : 15. قال شيخنا في الإرواء : ( إسناده جيد). 5. وأخرج الطبري بسند صحيح على شرط مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه : (أنه رَأى أمَّ ولدٍ له حاملا أو مُرضعًا، فقال: أنت بمنزلة الذي لا يُطيقه ، عليك أن تطعمي مكانَ كل يوم مسكينا، ولا قَضَاء عليك) . تفسير الطبري: 3/ 428 . 6. وقد روى الدارقطني في سننه عن سعيد بن جبير رضي الله عنه عن ابن عباس– أيضاً- رضي الله عنه : أنه رَأى أمَّ ولدٍ له حاملا أو مُرضعًا، فقال : ( أنتِ من الذين لا يطيقون الصيام عليك الجزاء وليس عليك القضاء ) سنن الدارقطني : 2/ 206 ، برقم : 8 ، وقال : ( إسناده صحيح ) . 7. وقد قال قتادة : ( ذُكر لنا أن ابن عباس قال لأم ولد له حبلى أو مرضع: "أنتِ بمنزلة الذين لا يطيقونه ، عليك الفداءُ ولا صومَ عليك. هذا إذا خافت على نفسها" ). أخرج الطبري بسند صحيح على شرط مسلم : 3/ 429. 8. وعن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله :"وَعلى الذين يُطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين"، يقول : (من لم يطق الصوم إلا على جَهد ، فله أن يفطر ويطعم كل يوم مسكينًا : · والحاملُ · والمرضعُ · والشيخُ الكبيرُ · والذي به سُقمٌ دائم ) . أخرجه الطبري : (3/ 432). 9. وعن عثمان بن الأسود قال : (سألتُ مجاهدًا عن امرأة لي وافقَ تاسعها شهرَ رَمضان ، ووافق حرًّا شديدًا ، فأمرني أن تُفطر وتُطعم. قال : وقال مجاهد : وتلك الرخصة أيضًا في المسافر والمريض ، فإن الله يقول :"وعلى الذين يُطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين") أخرجه الطبري : (3/ 432). 10. وعن السدي قال : ( "وَعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين" ، قال : أما الذين يطيقونه : · فالرجل كان يطيقه وقد صام قَبل ذلك ، ثم يعرض له الوَجع أو العطش أو المرض الطويل . · أو المرأة المرضعُ لا تستطيع أن تصوم . فإن أولئك عليهم مكانَ كل يوم إطعام مسكين ، فإن أطعم مسكينًا فهو خيرٌ له ، ومن تكلف الصيام فصامه فهو خيرٌ له). أخرجه الطبري : (3/ 427). 11. عن سعيد بن المسيب أنه قال في قوله تعالى :"فديةٌ طعامُ مسكين"، قال : (هو : · الكبير الذي كان يصوم فكبر وعجز عنه . · وهي الحامل التي ليس عليها الصيام. فعلى كل واحد منهما طعامُ مسكين : مُدٌّ من حنطة لكلّ يوم حتى يمضيَ رَمضان) . أخرجه الطبري : (3/ 429). هذا والله تعالى أعلم

إرسال تعليق

تابع كل جديد برسالة الكترونيه لـ إيميلك فورا