03‏/11‏/2012

كيف نفهم حديث الأضحية وأثر الصحابي أبي مسعود

كيف نفهم حديث الأضحية وأثر الصحابي أبي مسعود
فضيلة الشيخ:
ورد حديث عن الرسول حسنه الشيخ الالباني {من وجد سعة ولم يضحي فلا يقربن مصلانا}
وورد أثر صحيح عن ابي مسعود {قال إبن مسعود : إني لأترك أضحيتي، وإني لمن أيسركم، مخافة أن يظن الجيران أنها واجبة } الشاطبي - الاعتصام(2/91)
وصححه الشيخ مشهور بتحقيقه على الكتاب (2/331)

فما توجيهكم لهذا الأثر؟
وكيف نفهم أن الأضحية واجبة؟
الجواب:
 نحمد الله ونصلي ونسلم على أنبيائه ورسله ، ونستفتح بالذي هو خير : ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ، وبعد :
لقد طال حديث علمائنا الأوائل في تحقيق حكم الأضحية هل هي واجبة أم سنة مؤكدة ، وقد اختلفوا ، فمنهم من يرى أنها واجبة ومنهم من يرى أنها سنة مؤكدة .
وفي الحقيقة هو خلاف معتبر ؛ إذ هو خــلاف فـهـم واجـتـهـاد صادر عن : مجتهد : أصوله صحيح ومناط حكمه معتبر .
ونحن هنا لسنا بصدد بسط أدلة الفريقين ومناقشتها .

إلا أنني أقول :
إن الحديث المستفسر عنه وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه : (( من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا )) رواه أحمد (2/321) وابن ماجه ، كتاب الأضاحي ، باب الأضاحي واجبة هي أم لا ؟رقم (3123) ، وصححه الحاكم (2/389). وقال في (( فتح الباري )) ورجاله ثقات .
أقول : هذا الحديث بالرغم من تصحيح الحاكم له وتحسينه من قبل شيخنا رحمه الله إلا أن عليه كلام عند بعض أهل الصنعة ، فقد قال عنه الإمام أحمد بعد أن رواه في مسنده: (هذا منكر) .
وقال الدارقطني : (والأصح وقفه) أي على أبي هريرة .
وقد قال صاحب (( بلوغ المرام )) : (رجح الأئمة وقفه) .
وقيل : لعل أبا هريرة رضي الله عنه قاله حين كان والياً على المدينة . هذا بالنسبة للسند.
أما بالنسبة للدلالة فقد قال ابن حجر في ((الفتح )) : (إنه ليس صريحا في الإيجاب) .
وقد وافقه ابن عثيمين رحمه الله قائلا : (هو ليس بصريح في الإيجاب ، إذ يحتمل أن منعه من المسجد ، وحرمانه من حضور الصلاة ودعوة المسلمين عقوبة له على ترك هذه الشعيرة ، وإن لم تكن واجبة ، لكن من أجل تأكدها).
إلا أن العلامة ابن عثيمين استطرد قائلا : (لكن هو ظاهر في الإيجاب ، ولا يلزم في إثبات الحكم أن يكون الدليل صريحا في الدلالة عليه ، بل يكفي الظاهر إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه) .
إلا أننا نجد ابن الجوزي يقول : (إنه لا يدل على الوجوب كما قال صلى الله عليه وسلم : من أكل الثوم فلا يقرب مصلانا) وهو قول الذهبي أيضاً .
أقول : إن كان حسننا كما نص عليه محدثنا رحمه الله ، وإن كان قد دل على الوجوب كما قرر العلامة ابن عثيمين رحمه الله ، فإن هناك قرائن تصرفه عنه منها :
·         أولا : أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن أمته .
فعن أبي رافع رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم كان إذا ضحى ؛ اشترى كبشين أقرنين سمينين أملحين ، فإذا صلى وخطب ؛ أتي بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية ، ثم يقول :
((
اللهم هذا عن أمتي جميعا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ )) .
ثم يؤتي بالآخر فيذبحه بنفسه ويقول :
((
هذا عن محمد ، وآل محمد )) .
فيطعمها جميعا المساكين ، ويأكل هو وأهله منهما ، فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحي قد كفاه الله المؤونة برسول الله صلى الله عليه وسلم والغرم ).
أخرجه أحمد(6/8391)، والبزار (9/319) وابن ماجه برقم(3122). ، وقال في مجمع الزوائد (4/22) : (إسناده حسن) ، وله شواهد عند أحمد ، والطبراني ، وأبن ماجه ، والبيهقي ، والحاكم.
ووجه الدلالة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بالواجب عن أمته فيكون الباقي تطوعا ، ولذلك مكث بنو هاشم سنين لا يضحون على مقتضى هذا الحديث .
·         ثانياً : أن رجلا قال : يا رسول الله ، أرايت إن لم أجد إلا منيحة أنثى أفأضحي بها ؟ قال :
((
لا ، ولكن تأخذ من شعرك وأظفارك وتقص شاربك ، وتحلق عانتك ، فتلك تمام أضحيتك عند الله عز وجل ))
رواه أبو داود، كتاب الضحايا ، باب ما جاء في إيجاب الضاحي، رقم (2789)ورواته ثقات ، والنسائي ، كتاب الضحايا باب من لم يجد الأضحية، رقم (4365).
والمنيحة : شاة اللبن تعطى للفقير يحلبها ويشرب لبنها ثم يردها ، وهذا سنة ، ولو كانت الأضحية واجبة لم تترك من أجل فعل السنة ، إذ المسنون لا يعارض الواجب .
·         ثالثاً : قوله صلى الله عليه وسلم : (( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي ؛ فليمسك عن شعره وأظفاره ))
رواه مسلم وغيره ، وفي رواية لمسلم أيضا : (( فلا يمس من شعره وبشره شيئا )).
ووجه الدلالة : أن النبي صلى الله عليه وسلم فوض الأضحية إلى الإرادة ، وتفويضها إلى الإرادة ينافي وجوبها ، إذ الوجوب لزوم لا يفوض إلى الإرادة.
وهذا ما فهمه الصحابة رضوان الله عليه فقد صح عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما لا يضحيان مخافة أن يظن أن الأضحية واجبة كما في السنن الكبري للبيهقي (9/264).
وعن أبي مسعود رضي الله عنه أنه قال : (إني لأدع الأضحية ، وأنا من أيسركم، كراهة أن يعتقد الناس أنها حتم واجب) . أخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح ، وذكره البيهقي عن ابن عباس وابن عمر وبلال رضي الله عنهم (السنن الكبري البيهقي ) (9/265) .
ومثله أثر ابن مسعود المستفسر عنه : (إني لأترك أضحيتي، وإني لمن أيسركم، مخافة أن يظن الجيران أنها واجبة (.
وعلى ما تقدم كله يكون توجيهي للأثر : أنه فهم منه رضي الله عنه ومن أصحابه أبي بكر وعمر وغيرهما لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الواردة في الأضاحي مجتمعة ؛ إذ فهموا أنها سنة وليست واجبة.
ثم لما خافوا أن يعتقد العامة أنها واجبة امتنعوا عنها بعض الأعوام فقال ابن مسعود : (مخافة أن يظن الجيران أنها واجبة (.
وكذا قال أبو أيوب الأنصاري : (كنا نضحي عن النساء وأهلينا؛ فلما تباهى الناس بذلك تركناها) .

قال الشاطبي في الموافقات (8/144): (إن الصحابة عملوا على هذا الاحتياط في الدين لما فهموا هذا الأصل من الشريعة، وكانوا أئمة يقتدى بهم؛ فتركوا أشياء وأظهروا ذلك ليبينوا أن تركها غير قادح وإن كانت مطلوبة؛ فمن ذلك ترك عثمان القصر في السفر في خلافته، وقال: "إني إمام الناس، فينظر إلي الأعراب وأهل البادية أصلي ركعتين؛ فيقولون: هكذا فرضت"، وأكثر المسلمين على أن القصر مطلوب)
وقد أدرج الشاطبي هذا القول تحت المسألة السادسة في كتابه الموافقات (8/135): والتي تنص على أن (المندوب من حقيقة استقراره مندوبًا أن لا يسوى بينه وبين الواجب، لا في القول ولا في الفعل، كما لا يسوى بينهما في الاعتقاد، فإن سوى بينهما في القول أو الفعل؛ فعلى وجه لا يخل بالاعتقاد).

هذا وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.


 

التاريخ :4 ذو الحجة 1432 هـ

الموافق :31/10/2011م
الشيخ الدكتور
أنــس الـعـمـايـرة
 
موضوع الفتوى: حكم الأضحية 
فتوى رقم : ع ش10 /132/2011

إرسال تعليق

تابع كل جديد برسالة الكترونيه لـ إيميلك فورا