الحجاج بن يوسف الثقفي ظالم
من الدرجة الأولى ، ذكره ابن كثير فقال : (الحجاج بن
يوسف الثقفي قبحه الله) .
يقول هذا الظالم عن نفسه
قبل أن يموت بشهر واحد : ( رأيتُ في المنام كأن القيامة َ
قامت ، وكأن الله بارز على عرشه للحساب ، فقتلني بكل مسلم قتلتُه مرة ، إلا سعيدَ
بن جبير قتلني به على الصراط سبعين مرة) .
فما قصة هذا الظالم مع سعيد
بن جبير العام الزاهد الورع الرباني الذي كان الإمام أحمد إذا ذكره بكى وقال : (والله قُتل سعيد بن جبير وما أحد على الدنيا من المسلمين إلا
وهو بحاجة إلى علمه ) .
أمر الحجاج حراسه بإحضار
العالم الزاهد الرباني سعيد بن جبير، فذهبوا إلى بيت سعيد بن جبير وطرقوا الباب
بقوه ، فسمع سعيد ذلك الطرق المخيف ، ففتح الباب ، فلما رأى وجوههم قال : (حسبنا الله ونعم الوكيل ، ماذا تريدون) ؟
قالوا : (الحجاج يريدك حالا).
قال : (انتظروا قليلا)
فذهب واغتسل وتطيب وتحنط
ولبس أكفانه وقال : (اللهم يا ذا الركن الذي لا يضام
والعزةِ التي لا ترام اكفني شرَه) .
فأخذه الحرس وفي الطريف كان
يقول : (لا حول ولا قوة إلا بالله خَسِرَ المبطلون)
.
دخل سعيد بن جبير على
الحجاج وقد جلس مُغضَبا يكاد الشرُ يخرج من عينيه .
قال سعيد : (السلام على من اتبع الهدى) .
قال الحجاج : (ما اسمك) ؟ .
قال سعيد : (اسمي سعيد بن جبير) .
قال الحجاج : (بل أنتَ شقي بن كُسَير) .
قال سعيد : (أمي أعلم إذ سمتني) .
قال الحجاج : (شقيتَ أنتَ وشقِيَتْ أمُك) .
قال سعيد : (الغيب يعلمه الله) !! .
قال الحجاج : (ما رأيك في محمد صلى الله عليه وسلم) .
قال سعيد : (نبي الهدى وإمام الرحمة) .
قال الحجاج : (ما رأيك في عليّ ) ؟ .
قال سعيد : (ذهب إلى الله ، إمامُ هدى) .
قال الحجاج : (ما رأيك فيَّ ؟ )
قال سعيد : (ظالم ، تَلقى الله بدماء المسلمين) .
قال الحجاج : (عليَّ بالذهب والفضة)
.
فأتوا بكيسين من الذهب والفضة ، وأفرغوهما بين يدي سعيد بن جبير رضي
الله عنه.
قال سعيد : (ما هذا يا حجاج ؟ !! إن كنتَ
جمعتَه لتتقي به من غضب الله فنعمّا صنعت ، وإن كنتَ جمعتَه من أموال الفقراء كبرا
وعتوا فوالذي نفسي بيده الفزعة في يوم العرض الأكبر تُذهِل كلُ مرضعة عما أرضعت)
.
فالإغراء الأول فشل لدى
الحجاج (إغراء المال)
قال الحجاج : (عليَّ بالعود والجارية) .
فأخذت تطرق الجارية على
العود وتغني ........ فسالت دموع سعيد على لحيته .
قال الحجاج : (مالك ، أطربتَ) ؟ .
قال سعيد :(لا ، ولكني رأيت هذه الجارية سُخرت في غير ما خُلقتْ له)
.
قال الحجاج : (لماذا لا تضحك كما نضحك) ؟ .
قال سعيد : (كلما تذكرتُ يوم يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور ذهب
الضحك).
قال الحجاج : (لماذا نضحك نحن إذا) ؟ .
قال سعيد : (اختلفت القلوب وما استوت) .
فشل الحجاج في الاغراء
الثاني ، إغراء الشهوات ، فقال : (لأبدلنك من الدنيا نارا تلظى) .
قال سعيد : (لو كان ذلك إليك لعبدتك من دون الله) .
قال الحجاج : (لأقتلنك قتلة ً ما قُتلها أحدٌ من الناس ، فاختر لنفسك)
.
قال سعيد : (بل اختر لنفسك أنتَ أي قتلة
تشاءها ، فوالله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله بمثلها يوم القيامة) .
قال الحجاج : (اقتلوه) .
قال سعيد : ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام:79) .
قال الحجاج : (وجّهوه إلى غير القبلة) .
قال سعيد : (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ)(البقرة:
من الآية115)
قال الحجاج : (اطرحوه أرضا) .
قال سعيد وهو يبتسم : (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا
نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) (طـه:55)
قال الحجاج : (أتضحك) ؟ !!! .
قال سعيد : (أضحك من حلم الله عليك ، وجرأتك على الله) !! .
قال الحجاج : (اذبحوه) .
قال سعيد : (اللهم لا تسلط هذا المجرم على أحد بعدي) .
وخرجت روحه إلى باريها .
وبذلك قَتل الحجاجُ هذا الطاغية ُالمجرمُ العالم َ الفقيهَ سعيدَ بن جبير ، ولكن الله جل جلاله استجاب لدعاء سعيد ،
فثارت ثائرةُ – وهي الخُرَّاج الصغير – في جسم الحجاج ، فأخذ يخور كما يخور
الثور الهائج شهرا كاملا لا يذوق طعاما ولا شرابا ولا يهنأ بنوم ، وكان يقول : (مالي وسعيد ؟ مالي وسعيد ؟ مالي وسعيد) إلى أن مات .
إرسال تعليق