06‏/11‏/2012

جولة مع كلمة (القتال) و تصاريفها في القرآن الكريم

جولة مع كلمة (القتال) و تصاريفها في القرآن الكريم

 بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
القتال والجهاد كلمتان قرآنيتان بينهما عموم وخصوص ، يظن البعض أنهما بمعنى واحد ، وهذا ليس صحيحاً ، فما الفرق بينهما ؟ .
للإجابة عن ذلك لا بد أن نستعرض هاتين الكلمتين في السياق القرآني أولاً ، ثم نلاحظ متى استعملت هذه ومتى استعملت تلك ، ثم نلتمس الفروق بينهما.

وردت كلمة القتال وتصاريفها في القرآن الكريم في أكثر من ثلاثة وستين موضعاً ، وكان ورودها بصيغة الأفعال أكثر من صيغة الأسماء ومن هذه المواضع ما يلي:
(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) (آل عمران:195).
 (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الأَبْصَارِ) (آل عمران:13).
 (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين َ) (البقرة:191).
  ( ولو قاتلتم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون ولياً ولا نصيراً )[1]
 ( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها وأجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً )[2] .
 ( ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرةٍ أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين )[3]
( فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً )[4].
 ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)[5] .
 ( قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأسٍ شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذاباً أليماً )[6] .
 ( إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاؤوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً )[7] .
 ( لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولّنّ الأدبار ثم لا ينصرون )[8] .
( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصدٌ عن سبيل الله وكفرٌ به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدِدْ منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )[9].
( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون )[10].
نظرات في سياق الآيات
عند التأمل في سياق الآيات التي وردت فيها كلمة القتال بجميع صيغها نلاحظ ما يلي:

القتال
(( لا يكون إلا بحمل السلاح وخوض المعارك وتعريض النفس للأخطار ))
أولا : أن الآيات تتحدث عن رفع السلاح أمام الأعداء ، وخوض غمار المعارك ، وتعريض النفس للأخطار ، وقد يكون فيها إزهاق للأرواح يظهر ذلك في قول الله عز وجل : ( إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاؤوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً )[11] .
 تتحدث الآية عن المنافقين الذين رفضوا الهجرة إلى أرض الإسلام (المدينة المنورة) وخرجوا من قومهم وذهبوا إلى قوم بينهم وبين المسلمين ميثاق وعهد وموادعة فاتصلوا بهم ورضوا بحكمهم فحينئذ يأخذون حكم أولئك المعاهدين ، فقوله تعالى: (حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم) أي : ضاقت صدورهم وتحرجوا عن قتالكم ورفع السلاح عليكم وكفوا أيديهم عنكم ، وكذلك تحرجوا من رفع السلاح على قومهم.
ومن الآيات التي توضح ذلك أيضا قوله تعالى : ( قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأسٍ شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذاباً أليماً )[12] .
 تتحدث الآية عن المخلفين الذين تخلفوا عن الحديبية[13] ، وتخبرهم بأنهم سيلتقون مع قوم أولى بأس شديد في القتال، فيرفعون سلاحهم عليهم ويقاتلوهم في ساحة المعركة أو يسلم هؤلاء القوم من غير قتال .
  ومن تلك الآيات أيضا قوله تعالى: ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصدٌ عن سبيل الله وكفرٌ به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )[14] .
 تتحدث الآية عن تعيير المشركين النبي صلى الله عليه وسلم  بالقتال الذي حدث في شهر رجب مع سرية عبد الله بن جحش وبينت الآيات أنهم ظالمين في تعييرهم هذا، إذ فيهم من القبائح ما بعضه أعظم مما عيروا  به المسلمين[15].
فكلمة القتال في قوله تعالى: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) تدل على إزهاق نفس عمرو بن الحضرمي[16].
ومن ذلك أيضا قوله تعالى: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص)[17].
بينت الآية أن الله يحب المقاتلين الذين يكونون متراصين متساوين في صفوف المعركة من غير خلل يحصل في صفوفهم ، حيث تكون صفوفهم منظمة ومرتبة تحصل فيها المساوة بينهم بحيث لا يتكل بعضهم على بعض ؛ لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حضر القتال صف أصحابه ورتبهم في مواقعهم.

مما سبق يتبين أن كلمة القتال تدل على الإماتة التي لا تكون إلا بحمل السلاح والمشاركة في ساحة المعركة ، وفي ذلك يقول ابن فارس :
( قتل: القاف والتاء واللام أصل صحيح يدل على إذلال وإماتة. يقال: قتََله قَتْلا، والقِتْلَة: الحال يُقْتَلُ عليها. يقال قَتَله قِتلة سَوء، والقَتْلة: المرّة الواحدة، ومَقَاتِل الإنسان : المواضع التي إذا أُصِيبت قَتَله ذلك؛ ومن ذلك: قَتلت الشيء خُبراً وعِلْماً، قال الله سبحانه: (وما قتلوه يقينا) { سورة النساء الآية : 157} ، ويقال تقتَّلت الجارية للرجل حتى عشقها، كأنها خَضَعَت . وأقْتَلتُ فلانا: عرّضتُه للقَتل ، وقلب مُقَتَّل : إذا قَتَّله العشق )[18] .


" لفظة القتال لا تختص بالمسلمين فقط "
ثانيا : لفظة القتال لا تختص برفع السلاح وخوض المعارك مع أعداء الله عز وجل، فقد ينسب  القتال للمشركين أيضا بخلاف كلمة الجهاد التي لا تنسب إلا للمسلمين  - كما سنبين ذلك في موضعه - ودليل ذلك قول الله عز وجل : ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين )[19] .
ففي قوله تعالى: (حتى يقاتلوكم فيه، فإن قاتلوكم فاقتلوهم) نُسب القتال للمشركين، ونسب أيضا للمسلمين .
ومن ذلك قول الله تعالى: (ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا)[20]، نرى أن القتال نسب إلى الكافرين أيضا .
  وقد نسبت كلمة القتال للمسلمين في مواضع كثيرة منها:
قوله تعالى : ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم مّن ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلو وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب )[21] .
وقوله تعالى :( قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار )[22] .
 وقوله تعالى: ( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها وأجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً )[23] .
 وقوله تعالى :( ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرةٍ أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين )[24] .  
وقوله تعالى :( فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً )[25] ، وغير ذلك كثير.

فمن ذلك نستنتج أن كلمة القتال تطلق على الكافرين كما تطلق على المؤمنين ؛ فهي ليست خاصة بأحد دون أحد ، ونستنتج أن هناك قتالا في سبيل الله كما قال : ( فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً )[26] ، وقتالا في سبيل الطاغوت كما قال تعالى : ( الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله ، والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت ، فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا )[27].
القتال : كُره ........ و خير
ثالثا : القتال لا يكون إلا بحمل السلاح وخوض المعارك وتعريض النفس للأخطار ؛ لذلك فقد تكرهه النفس خوفا من إزهاقها في ساحة المعركة، ولكن فيه خير كثير للمؤمنين الذين يقاتلون الأعداء لإعلاء كلمة الله عز وجل ، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى : ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون )[28] .

إرسال تعليق

تابع كل جديد برسالة الكترونيه لـ إيميلك فورا