02‏/11‏/2012

ما حدث في الزرقاء لا يمثل المنهج الحق والسلفية منه براء

ما حدث في الزرقاء لا يمثل المنهج الحق والسلفية منه براء
 
    إنه ليحزن القلوب ويدمع العيون ما سمعناه وشاهدناه على القنوات المحلية والعالمية مما حصل يوم الجمعة في محافظة الزرقاء ، ممن يطلق عليهم (السلفية الجهادية) وهم بحق ليسوا بسلفيين ، بل هم تكفيريون ، يرون - بنظرهم السقيم- أن الحكومات والمجتمعات الإسلامية في الوقت الحاضر (كفارا) ؛ وبالتالي يجيزون لأنفسهم رفع السلاح ومقاتلة إخوانهم المواطنين ورجال الأمن وغيرهم ، ظننا منهم أن ذلك التصرف الأرعن موافق للشرع الحنيف .
ولكن لا أدري كيف يصنعون بكلمة "لا إله إلا الله" إذا جاءت يوم القيامة ؟!!
النقطة الأولى: لا أدري كيف يصنع التكفيريون بكلمة "لا إله إلا الله" إذا جاءت يوم القيامة ؟!! ولا أدري كيف تطيب لهم أنفسهم رفع السلاح على أخوتهم رجال الأمن الذين ينشرون الأمن والاستقرار ، وقد روى الشيخان عن أسامة بن زيد بن حارثة قال :( بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله فكف عنه الأنصاري وطعنته برمحي حتى قتلته ، قال فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي : ((يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟!!)) قال : قلت يا رسول الله إنما كان متعوذا فقال صلى الله عليه وسلم :(( أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله ؟!!)) قال فما زال يكررها عليّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم(متفق عليه).
وعند مسلم في رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم : ((لم قتلته ؟)) قال يا رسول الله أوجع في المسلمين وقتل فلانا وفلانا وسمى له نفرا وإني حملت عليه فلما رأى السيف قال لا إله إلا الله . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أقتلته ؟!) قال : نعم. قال صلى الله عليه وسلم : (( فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة )) قال يا رسول الله استغفر لي . قال صلى الله عليه وسلم : (( وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة )) قال أسامة : فجعل لا يزيد على أن يقول: (كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة) رواه مسلم؟.
فإذاً من شهد الشهادتين فهو معصوم الدم في الإسلام ولا يجوز قتله لأي سبب من الأسباب ، ويجوز للحاكم أو من ينوبه فقط ( تنبه) قتله لأسباب ثلاث هي : الزنا ، وقتل النفس ، والمرتد فقط . ففي الحديث الذي يرويه الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة).
وقد دلت آيات وأحاديث كثيرة جدا على حرمة قتل المسلم ، منها قول الله جل جلاله : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)(النساء:93) وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات قالوا وما هي يا رسول الله قال : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق .......)) متفق عليه ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم )) رواه مسلم ، وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق)) رواه ابن ماجه بإسناد حسن ورواه البيهقي والأصبهاني وزاد فيه : (( ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار)) وفي رواية : (لكبهم الله النار) . وقد وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمام الكعبة وقال:(ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك ) .
والنقطة الثانية هي : كما أن دماء المسلمين محرمة فإن أموالهم محرمة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر الذي يرويه الإمام مسلم في صحيحه : ( إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ). وبالتالي يحرم إلحاق الضرر بأموال المسلمين ، وعليه فكل مظاهرة أو اعتصام أو تجمع يؤدي إلى الاعتداء على المرافق العامة ، أو الاعتداء على أموال الناس وممتلكاتهم الخاصة ، والمنشآت العامة للدولة ، والمصالح التجارية الخاصة ، (كما رأينا في الصور من تكسير الحافلات العمومية ) وغير ذلك من الأمور التخريبية التي من شأنها تعطيل المصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها ، فتكون هذه المظاهرات والاعتصامات محظورة شرعا.
النقطة الثالثة : إن ما حصل يوم الجمعة في الزرقاء اعتداء سافر على أمن الوطن واعتداء على حرمة بلاد المسلمين وترويع للآمنين فيها وهذا من الإفساد في الأرض التي جاءت الآيات مهددة لفاعليه قال تعالى : )وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(لأعراف: من الآية85) وفيها لفتتان:
    أولهما : أن عدم الفساد والإفساد في الأرض بعد أن صلحت وأصبحت آمنة مطمئنة خير للأمة لما في الفساد والإفساد من تدمير وإرهاب وترويع للآمنين وقتل للأنفس المعصومة وجرح لآخرين ، وهتك لحرمات الدين في الأنفس والأموال والأمن والاستقرار وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم وغدوهم ورَواحهم ، وهتك للمصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها .
    الثانية : من الآية الكريمة هي في قوله تعالى (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) من قوله : )وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ففيها أن المؤمن لا يفكر بالإفساد أبدا ولا يفكر في قتل الآخرين أبدا ؛ إذ أن الإيمان يُوجِد عند المؤمن حالة من التقوى والمراقبة لله ، وهذه الحالة تمنع صاحبها من ارتكاب المحرمات ، وفعل المعاصي والمنكرات . فالإيمان بالله هو صمام الأمان والأمن والطمأنينة في حياة الأفراد والمجتمعات ، فهو أقوى حارس لهم يمنعهم من الاعتداء والظلم والإيذاء . فما أبشع وأعظم جريمة من تجرأ على حرمات الله وظلم عباده وقتلهم وسفك دمهم وأموالهم ؟!
النقطة الرابعة : تذكرة لمن شارك في اعتصام يوم الجمعة وحمل السلاح ورفعه على اخوته :
أود أن أذكركم يا من طعنتم إخوتكم في الدين والعقيدة أن المنهج السلفي الحق براء من تصرفاتكم وأفعالكم التي صدرت منكم ، وأنكم محاسبون أمام الله جل وعلا وسيسألكم عن تصرفاتكم الإجرامية هذه .
كما أهمس في أذنكم أن العلماء الربانيين ، والدعاة الصادقين ، ينبغي عليهم أن يكونوا نصحة ً ومخلصين ، يعلّمون دينَ الله ، ويوقظون عباد الله. ويقودون الأمة إلى شاطئ الأمان وبر السلام ، فكم تعبوا – في العصور الماضية- والناس مستريحون ، وكم يَقِظُون والناس غافلون ، وكم نفع الله بهم البلاد والعباد ، فهم يحــثّــــون الأمة على الجماعة ، ويحذرونها من الفرقة ، ويدينون بالولاء لله ورسوله ، ويؤلفون القلوب ، ويصدون عن الأمة الغارات والحروب ، فهم صمام الأمان في المجتمع حقاً ، وأهل الخير في الأمة صدقاً. فحقٌ عليهم أن يسلكوا المسار الصحيح في الدعوة في هذا العصر ، كما كانت عبر القرون الماضية ، فيسيروا بحفظ من الله مع الدعوة الشامخة الوضاءة ، تنير الطريق للسالكين ، وتنشر النور والخير للخلق أجمعين ، يحمل لواءه دعاة علماء جهابذة ، قد ارتووا من منبع الوحيين ، اخلصوا إلى الله فخلصت دعوتهم إلى قلوب عباد الله ، يدعون إلى الله بعلم وبصيرة مستنيرين بالنصوص النقلية ومستعينين بالقواعد الفقهية والمقاصد الشرعية ، دعوا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالأساليب الشرعية ، ولا يهيجون فتنة ولا يعملون إلى إثارة فوضى ، لا ينكرون المنكر بمنكر أعلى منه ، يدرؤون المفاسد ويجلبون المصالح ، ويردون عن الأمة عاديات الفتن وأمواج المحن ، يلزمون العقل في أقوالهم وأفعالهم ، والحسن في تصرفاتهم ، ويبدؤون بالأهم فالأهم ، ويأخذون بالأصلح فالأصلح ، يقدمون أعلى المصلحتين ، ويرتقبون أخف الضررين ، وأدنا المفسدتين لرفع أعلاهما ، وإذا نتج من جزء الدعوة مصلحة ومفسدة وتكافأتا قدموا درأ المفاسد على جلب المصالح ، ويعملون لسد الذرائع ، يسعون إلى الإصلاح برفق وحكمة ، لا يغلبهم حماس طائش ، ولا اندفاعٌ وعجلة.

وأخيرا أسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يهيئ لأمة الإسلام من أمرها رشداً، وأسألُه أن يُعِزها بالإسلام ، وأن يحفظها بالإسلام ، وأن يقيها من شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يخذل من أراد أن يعكر صفوَ أمن ِالمجتمعات الإسلامية ، أن يخذل جهوده ومخططاته ، وأن يجعل كيده في نحره ، وأن يكفي بلاد المسلمين عدوان الغاشمين وتربص المتربصين إنه جواد كريم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

إرسال تعليق

تابع كل جديد برسالة الكترونيه لـ إيميلك فورا