09‏/11‏/2012

بين الإيمان والإسلام

السؤال:فضيلة الشيخ احسن الله اليكم ونفع بكم:
هناك إشكال عندي في مسائل الإيمان لماذا قال النبي في جارية أبي معاوية السلمي أعتقها فإنها مؤمنة وأبى أن يقول للرجل الذي قال فيه سعد فإنه مؤمن قال أو مسلم، لماذا شهد للجارية بالإيمان ولم يشهد لهذا الرجل بالإيمان وشهد له بالإسلام؟

  الجواب:
نحمد الله ، ونصلي ونسلم على أنبيائه ورسله ، ونستفتح بالذي هو خير : ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، ثم أما بعد:

نصيحتي للسائل – وقبل الإجابة على سؤاله – أن يجلس عند أحد المشايخ أصحاب العلم الشرعي المعتبر ؛ ليتعلم مسائل الإيمان ؛ إذ إن هذا العلم من الضروري بمكان أن يتلقاه من أهل السلف حتى لا يقع في اعتقاد الخوارج أو المرجئة أو غيرهم من الفرق الضالة.
وكونه يقول : (هناك إشكال عندي في مسائل الإيمان ) فعليه المبادرة إلى جلسات أحد العلماء المعتبرين شرعا ؛ ليدرس التوحيد ومسائل الإيمان على منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين.  

أما بالنسبة للسؤال فاعلم حفظك الله : أن كلمة الإيمان تطلق ويراد بها عدة معان ذلك حسب الحالة ، فمن ذلك :

تطلق ويراد بها : (التصديق اللازم للدخول في الدين) ، وإن كان صاحبه مقصراً في كثير من الواجبات. ذلك كقول الله جل وعلا في كفارة قتل الخطأ: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) [النساء:92] فلو أعتق فاسقاً أو صاحب كبيرة فإن عتقه صحيح بالإجماع. لأن الإيمان في الآية لم يقصد به الإيمان المطلق بل قصد به (مطلق الإيمان) أي : أن يكون صاحب الرقبة محققا لأصل الإيمان ، لا مستكملا له.  
وكذا قول الله جل جلاله في كثير من الآيات : (يأيها الذين آمنوا) والخطاب باتفاق العلماء لسائر المسلمين سواء أصحاب المعاصي أو الكبائر أو فساقهم أو محسنيهم .......
ومن هذا الباب حديث معاوية بن الحكم السُّلَمِىِّ الذي رواه مسلم حيث قال : ( َكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالجَوَّانِيَّةِ ، فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا ، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِى آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ ؛ لَكِنِّى صَكَكْتُهَا صَكَّةً ؛ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَىَّ ؛ قُلتُ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أُعْتِقُهَا ؟
قَالَ : ائْتِنِي بِهَا .
 فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ لَهَا : أَيْنَ اللَّهُ ؟
 قَالَتْ فِي السَّمَاء ؟
قَالَ : مَنْ أَنَا ؟
قَالَتْ : أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ .
 قَالَ : أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ) .
فقصد عليه الصلاة والسلام مطلق الإيمان . أي (تصديق هذه الجارية اللازم للدخول في الدين).
وقد نص علماء السلف -رحمهم الله رحمة واسعة- أنه إذا كان الكلام  يختص بالأحكام الدنيوية كالعتق والمواريث والزواج والطلاق وغيرها فإن أصحاب الكبائر والمعاصي ، و الفساق يسمون مؤمنين؛ لأنهم يحملون أصل الإيمان، فضلا عن غيرهم ممن لم يتلبس بما تلبسوا به. وحديث الجارية والآية من باب العتق ؛ فالآية تتحدث عن تحرير رقبة ، والحديث يتحدث عن عتق الجارية.

وأحياناً : يُنتقل من لفظة الإيمان إلى غيرها : وغالبا ما يكون ذلك في حالة تزكية النفس والمدح والإطراء. لأن الله جل وعلا نهى عن تزكية النفس فقال : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) (النجم:32) وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَدَحَ رَجُلٌ رَجُلا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( وَيْحَكَ ، قَطَعْتَ عُنُقَ أَخِيكَ مِرَارًا ، إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لا مَحَالَةَ ، فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ فُلانًا وَاللهُ حَسِيبُهُ، وَلا أُزَكِّي عَلَى اللهِ أَحَدًا أَحْسِبُهُ إِنْ كَانَ يَعْلَمُ كَذَا وَكَذَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصحِيحِ.

من ذلك رفض الله قول الأعراب بأنهم مؤمنون في سورة الحجرات ، حيث قال الرب جل جلاله : (قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) [الحجرات:14]
فأثبت لهم الإسلام ونفى عنهم الإيمان ، وبإثبات الإسلام لهم يكونوا قد حققوا ( أصل الإيمان) ؛ لأنهم إن عدموا الإيمان كفروا وبنص الآية هم ليسو كفاراً.
فسبحانه وتعالى نفى عنهم الإيمان المطلق لا مطلق الإيمان ، بمعنى نفى عنهم سبحانه وتعالى (كمال الإيمان) ولم ينفِ عنهم (أصل الإيمان) بدليل قوله  سبحانه : (وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) .
والسبب في العدول عن اسم الإيمان إلى اسم الإسلام هو : أن الأعراب صرحوا بأنهم مؤمنون من باب التزكية، والثناء. فأراد الله أن يبين لهم أن كمال الإيمان تحقيقه ليس سهلا ، فهو لايتحقق بمجرد دخولكم في الدين. 
ففي الآية انتقال منه إلى غيره بسبب المدح والثناء. 

ومن هذا الباب حديث سعد رضي الله عنه، في الصحيحين قال: (قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسماً، فقلت: يا رسول الله، أعط فلاناً فإنه مؤمن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو مسلم) فانتقل النبي صلى الله عليه وسلم بحق هذا الرجل إلى اسم الإسلام، فهذا انتقال عن اسم الإيمان إلى اسم الإسلام، مع أن الرجل لا شك أنه أتى بما أتت به الجارية وأكثر . فهو يؤمن بأن الله في السماء وأن محمداً رسول الله. إلا أنه لم يطلق عليه اسم الإيمان كما أطلق على الجارية ؛ لأن المقام والحال مختلف، فسعد إنما ذكر ذلك على جهة المدح والثناء ، وإذا قصد مقام المدح والثناء فإنه لا يسمى بالإيمان إلا من استفاض هذا الأمر فيه، وإنما يستعمل في الإطلاق وبين عامة المسلمين اسم الإسلام.كما جاء في شرح العقيدة الطحاوية (ص : 158).



وخلاصة القول : إذا ذكر الثناء والمدح فلا يطلق اسم الإيمان و لا يُثنى و يمدح بها إلا من استفاض هذا الأمر فيه ، وظهر استتمامه لواجبات الإيمان.
 وإذا ذكر مقام الأحكام الدنيوية كالعتق والميراث والولاية ونحو ذلك فإن ذلك الشخص يطلق عليه مؤمناً ويسمى به.
هذا وبالله أعلم وبالله التوفيق .
 


 الشيخ الدكتور أنــس الـعـمـايـرة

موضوع الفتوى:استخدامات لفظتي الإيمان والإسلام.
فتوى رقم : ع ش1 /148/2012

التاريخ :22 صفر 1433 هـ
الموافق :16/1/2012م

إرسال تعليق

تابع كل جديد برسالة الكترونيه لـ إيميلك فورا